الشّرْحُ:
التحلُّم : تكلّف الحِلْم ، والّذي قاله عليه السلام صحيح في مَناهِج الحكمة ، وذلك لأنّ من تَشبَّه بقومٍ وتكلّف التخلّق بأخلاقِهم ، والتأدّبَ بآدابهم ، واستمرّ على ذلك ومَرَن عليه الزمان الطويل ، اكتَسَب رياضةً قويّة ، ومَلَكة تامّة ، وصار ذلك التكلّف كالطَبْع له ، وانتقل عن الخُلُق الأوّل ، أَلا ترَى أنّ الأعرابيّ الجِلْف الجافي إذا دَخَل المُدُن والقُرَى وخَالطَ أهلَها وطال مُكْثُه فيهم انتقل عن خُلُق الأعراب الّذي نشأ عليه ، وتلطَّف طَبْعُه ، وصار شبيها بساكِنِي المُدُن .
۲۰۴
الأصْلُ:
۰.مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ ، وَمَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ .
الشّرْحُ:
قد جاء في الحديث المرفوع : «حاسبوا أنفسَكم قبلَ أن تحاسَبوا» .
قولهُ : «ومن خاف أمن» أي مَن اتقى اللّه أمِنَ مِنْ عذابه يوم القيامة .
ثم قال : «ومن اعتبر أبصر» ، أي من قاس الأُمور بعضها ببعض واتّعظ بآيات اللّه وأيامه ، أضاءت بصيرته ، ومن أضاءت بصيرته فهم ، ومن فهم علم .
فإن قلتَ : الفهم هو العلم ، فأيّ حاجةٍ له إلى أن يقول : «ومن فهم علم ؟» .
قلت : الفهم هاهنا هو معرفة المقدّمات ، ولابد أن يستعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة ، فمعرفة النتيجة هو العلم ، فكأنّه قال : من اعتبر تنوّر قلبه بنور اللّه تعالى ، ومَنْ تنوّر قلبه عقل المقدّمات البرهانية ، ومن عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها ، وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون .