بِيَدِهِ إلى صدره ـ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً ! بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ ، مُسْتَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا ، وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللّهِ عَلَى عِبادِهِ ، وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ، أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ ، لاَبَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ ؛ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِض مِنْ شُبْهَةٍ . أَلاَ لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ ! أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ ، سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ ، أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالاْدِّخَارِ ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ ، أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ ! كَذلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ .
اللَّهُمَّ بَلَى ! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للّهِ بِحُجَّةٍ ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ، وَإِمِّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَـلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّهِ وَبَيِّنَاتُهُ .
وَكَمْ ذَا ؟ وَأَيْنَ ! أُولئِكَ وَاللّهِ ، الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً ، يَحْفَظُ اللّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوب أَشْبَاهِهِمْ . هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالَْمحَلِّ الْأَعْلَى ؛ أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ . آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ .
انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ .
الشّرْحُ:
الجَبّان والجَبّانة : الصّحراء . وتَنفَّسَ الصُّعَداء ، أي تنفّس تنفُّسا ممدودا طويلاً .
قولُه عليه السلام : «ثلاثة» قِسمةٌ صحيحة ، وذلك لأنّ البشر باعتبار الأُمور الإلهيّة : إمّا عالِم على الحقيقة يَعرِف اللّه تعالى ، وإمّا شارع في ذلك فهو بعد في السّفر إلى اللّه يَطلُبه بالتعلّم والاستفادة من العالم ، وإمّا لا ذا ولا ذاك ؛ وهو العامّيّ الساقط الّذي لا يَعبأ اللّهُ به . وصَدَق عليه السلام في أنّهم هَمَج رَعاع أتباعُ كلِّ ناعق ، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخصٍ إلى تقليدِ الآخَر ، لأدنى خَيال وأضعفِ وَهْم!