يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللّهِ ۱ .
الشّرْحُ:
قَلَّ موضعٌ من الكتاب العزيز يَذكُر فيه الوعيد إلاّ ويَمزُجه بالوعد ، مِثل أن يقول : «لَشَدِيدُ الْعِقَابِ» ثم يقول : «وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» ، والحكمة تَقتضِي هذا ليكون المكلَّف متردِّدا بين الرّغبة والرّهبة .
ويقولون في الأمثال المرموزة : لقِيَ موسَى وهو ضاحكٌ مستبشرٌ عيسَى وهو كالِحٌ قاطِب ، فقال عيسى : مالَك كأنّكَ آمِنٌ من عذاب اللّه ؟ فقال موسى عليه السلام : مالَكَ كأنّك آيِسٌ من رَوْح اللّه ! فأوحَى اللّه إليهما : موسى أحبُّكما إليّ شِعارا ، فإنِّي عِنْدَ حُسْن ظَنِّ عبدي بي .
واعلم أنّ أصحابَنا وإن قالوا بالوعيد ؛ فإنّهم لا يؤيسون أحدا ولا يقنِّطونه من رحمة اللّه ، وإنما يَحُثّونه على التوبة ، ويخوِّفونه إن ماتَ من غير توبة .
۸۸
الأصْلُ:
۰.أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وَقَفَ عَلَى اللِّسَانِ ، وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ .
الشّرْحُ:
هذا حقّ ؛ لأنّ العالِمَ إذا لم يَظهَر من عِلمِهِ إلاّ لَقْلَقَةُ لسانِه من غيرِ أن تَظْهرَ منه العبادات ، كان عالما ناقصا ، فأمّا إذا كان يُفيدُ الناسَ بألفاظهِ ومنطقِه ، ثمّ يشاهِدُهُ النّاسُ على قَدَمٍ عظيمةٍ من العبادةِ ، فإنَّ النفعَ يكون به عامّا تامّا ، وذلك لأنّ الناس يقولون : لو لم يكن يَعتقِد حقيقةَ ما يقوله ، لما أدْأَبَ نَفسَه هذا الدَّأَب .
وأمّا الأوّل فيقولون فيه : كُلّ ما يقوله نفاق وباطل ؛ لأنّه لو كان يعتقد حقيقةَ ما يقول لأخَذَ به ، ولظَهرَ ذلك في حَرَكاته ، فيَقْتَدون بفِعله لا بقَوْله ، فلا يَشتغِل أحدٌ منهم بالعبادة ولا يهتمّ بها .