۷۵
الأصْلُ:
۰.ومن خبر ضرار بن حمزَةَ الضّبابي عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ، ويقول :يَا دُنْيَا ، إِلَيْكِ عَنِّي ، أَبِي تَعَرَّضْتِ ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ ؟ لاَ حَانَ حِينُكِ ! هَيْهَات ! غُرِّي غَيْرِي ، لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَـلاَثاً ، لاَ رَجْعَةَ فِيهَا ! فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ . آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ ، وَطُولِ الطَّرِيقِ ، وَبُعْدِ السَّفَرِ ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ!
الشّرْحُ:
السُّدُول : جمعُ سَدِيل ، وهو ما أسدل على الهَوْدَج ، ويجوز في جَمْعه أيضا أسْدال وسدائل ، وهو هاهنا استعارة . والتّـملْمُل والتملّل أيضا : عدمُ الاستقرار من المرض ، كأنه على مَلّة ، وهي الرّماد الحارّ . والسليم : الملسوع . ويُروى «تشوّقت» بالقاف .
وقوله : «لا حان حَينُك» ، دعاء عليها ، أي لا حَضَر وَقْتك ، كما تقول : لا كنت .
فأما ضِرارُ بن ضَمْرة ، فإنّ الرِّياشيّ رَوَى خبرَه ، ونقلتُه أنا من كتاب عبدِ اللّه بنِ إسماعيلَ بن أحمدَ الحلبي في ( التّذييل على نَهْج البلاغة ) ، قال : دخل ضِرارٌ على معاويةَ ـ وكان ضِرارٌ من صحابةِ عليّ عليه السلام ـ فقال له معاوية : يا ضرار ، صف لي عليّا ، قال : أوَتُعْفِيني ! قال : لا أُعْفيك ، قال : ما أصف منه ! كان واللّهِ شديدَ القُوَى ، بعيد الْمَدى ، يتفجّر العِلْم من أنْحائه ، والحكمةُ من أرْجائِه ، حَسَن المُعاشَرة ، سَهْل المباشرة ، خَشِن المأكَل ، قصير المَلبَس ، غَزير العَبْرة ، طويل الفِكْرة ، يقلّب كَفّه ، ويخاطِب نفسَه ، وكان فينا كأحدِنا ، يُجيبنا إذا سأَلْنا ، ويبتَدِئُنا إذا سكَتْنا ، ونحن مع تقريبه لنا أشَدّ ما يكون صاحبٌ لصاحبٍ هيبةً ، لا نبتدئه