أتاه ، وهو العُجْب والتِّيه والإدلال على اللّه تعالى ، فيعود لا مُثابا ولا مُعاقبا ؛ لأنّه يتكافأ الاستحقاقان . ولا ريب أنّ من حَصَل له ثواب التوبة ، وسَقط عنه عقاب المَعصية ؛ خيرٌ ممن خرج من الأمْرَين كَفافا ۱ لا عليه ولا له .
۴۵
الأصْلُ:
۰.قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ ، وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ ، وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ ، وَعِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ .
الشّرْحُ:
قد تقدَّم الكلامُ في كلّ هذه الشِّيَم والخصال ، ثم نقول هاهنا : إنّ كِبَر الهمّة خُلق مختصٌّ بالإنسان فقط ، وأمّا سائر الحيوانات فليس يوجد فيها ذلك ، وإنما يتجرّأ كلّ نوع منها الفعل بقدر ما في طبعه ، وعلوّ الهِمة حالٌ متوسِّطة محمودة بين حالتين طرفي رذِيلتين ، وهما الندح ، وتسميه الحكماء التفتُّح ـ وصغر الهمة ـ وتسميه الناس الدّناءة ، فالتفتّح تأهل الإنسان لما لا يستحقه ، وصِغر الهمة تركه لما يستحقه لضعفٍ في نفسه ، فهذان مَذْمومان ، والعدالة وهي الوَسَط بينهما محمودة ، وهي علوّ الهمة ، وينبغي أن يعلم أن المتفتح جاهلٌ أحمق ، وصغيرُ الهمة ليس بجاهل ولا أحمق ، ولكنه دنيءٌ ضعيف قاصر ، وإذا أردت التحقيق ، فالكبير الهمّة من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة ، ولا يقنع لنفسه أن يكون عند رعاية بطنه وفرجه ؛ بل يجتهد في معرفة صانع العالم ومصنوعاته ، وفي اكتساب المكارم الشرعية ليكون من خلفاء اللّه وأوليائه في الدّنيا ، ومجاوريه في الآخرة . ولذلك قيل : مَن عظُمتْ همتُه لم يرض بقَيْنة مستردّة ، وحياةٍ مستعارة ، فإن أمكنك أن تقتني قنية مؤبّدة ، وحياة مخلدة ، فافعل غير مكترث بقلّة مَن يَصحبك ويعينك على ذلك فإنه كما قيل : إذا عظم