389
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الشّرْحُ:

قد نظمتُ أنا هذا اللّفظ والمعنى ، فقلتُ في جملةِ أبياتٍ لي :

خيرُ البضائِع للإنسان مَكرُمَةٌتَنْمِي وتزْكو إذا بارَتْ بَضائِعُهُ
فالخيرُ خَيرٌ وخيرٌ منه فاعِلُهوالشرّ شرٌّ وشرٌّ منه صانعُهُ
فإن قلتَ : كيف يكون فاعلُ الخير خيرا من الخير ، وفاعلُ الشرّ شرّا من الشرّ ، مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحا لأجل الخير ، وفاعل الشرّ إنما كان مذموما لأجل الشرّ ، فإذا كان الخير والشرّ هما سَبَبَا المَدْح والذمّ ـ وهما الأصل في ذلك ـ فكيف يكون فاعلاهما خيرا وشرّا منهما؟
قلت : لأنّ الخير والشرّ ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة ، وإنّما هما فعلان ، أو فعل وعدم فعل ، أو عَدَمان ، فلو قطع النظر عن الذّات الحيّة القادرة الّتي يَصدُران عنها ، لما انتَفَع أحدٌ بهما ولا استضرّ ، فالنّفع والضّرر إنّما حَصَلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما ، فلذلك كان فاعلُ الخَيْر خيراً من الخير ، وفاعلُ الشرّ شرّا من الشرّ .

۳۳

الأصْلُ:

۰.كُنْ سَمِحاً ، وَلاَ تَكُنْ مُبَذِّراً ، وَكُنْ مُقَدِّراً ؛ وَلاَ تَكُنْ مُقَتِّراً ۱ .

الشّرْحُ:

كلُّ كلامٍ جاء في هذا فهو مأخوذٌ من قوله سبحانَه : «وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوما مَحْسُورا» . ونحو قوله : «إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَ نَ الشَّيَـطِينِ وَ كَانَ الشَّيْطَـنُ لِرَبِّهِ كَفُورًا» ۲ .

1.السمح : الجواد . المبذر : الذي يضع المال في غير محلّه . المقدّر : المقتصد . المقتّر : المضيّق في النفقة .

2.سورة الإسراء ۲۷ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
388

وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبِ : عَلَى: الَّتمَادِي ، وَالْهَوْلِ ، وَالتَّرَدُّدِ وَالاْسْتِسْلاَمِ ؛ فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ ؛ وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ، وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ ، وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا ۱ .

قال الرضي رحمه الله :
وبعد هذا كلامٌ تركنا ذكره خوف الإطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب .

الشّرْحُ:

من هذا الفصل أخذَتِ الصّوفيّةُ وأصحابُ الطريقة والحقيقةِ كثيرا من فنونهم في علومهم ؛ ومن تأمّل رأى هذه الكلمات في فَرْش كلامِهم تَلُوح كالكَواكِب الزاهرة ، وكلّ المقامات والأحوال المذكورة في هذا الفصل قد تقدّم قولُنا فيها .

۳۲

الأصْلُ:

۰.فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ .

1.شُعب : جمع شعبة : الفرقة ، الطائفة من الشيء . الشفق : الخوف . الترقّب : الانتظار . سلا : هجر وترك . استهان : لم يعر الأمر اهتماما . التبصّر : التعرّف . الفطنة : الفهم . تأوُّل الحكمة : الوصول إلى دقائقها . العبرة : العظة والاعتبار . سنّة الأولين : طريقتهم وسيرتهم . غور العلم : سرّه وباطنه . زُهرة الحكم : حسنه . رساخة الحلم : ثبوته واستقراره . صدر : رجع . يفرّط : يقصّر ، الشَنَآن : البغض . أرغم أنفه : أجبره على الرضوخ . الزيغ : الانحراف عن مذهب الحق ، الشقاق : العناد . أعْضَلَ الأمر : اشتد وأعجزت صعوبته . التماري : التجادل بغير الحق . الهول : الفزع . التردد : انتقاض العزيمة ، وعدم الجزم بالشيء . الاستسلام : عدم المقاومة . المراء : الجدال . هاله : أفزعه . نكص على عقبيه : رجع متقهقرا . الريب : الشك . وطأته : داسته . سنابك : جمع سنبك طرف الحافر .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5903
صفحه از 800
پرینت  ارسال به