شُعْثَ الشُّعُورِ ، غُبْرَ الألْوَانِ ، مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأنـّمَا سُوِّدَتْ وَجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً ، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي ، فَظَنَّ أنّي أَبِيعُهُ دِينِي ، وَأَتَّبِـعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي ، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ، ثُمَّ أدنَيتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أ لَمِهَا ، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ ، يَا عَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ ! أَتَئِنُّ مَِنَ الاْذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً؟!
وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ فِي وِعَائِهَا ، وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا ، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا ، فَقُلْتُ : أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحْرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ! فَقَالَ : لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ . فَقُلْتُ : هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ ! أَعَنْ دِينِ اللّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي ؟ أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ ، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْـلاَكِهَا ، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا .
مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى ، وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَى ! نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ . وَبِهِ نَسْتَعِينُ .
الشّرْحُ:
السَّعَدان : نبتٌ ذو شوك ؛ يقال له : حَسَك السّعْدان وحَسَكة السعْدان ؛ وتشبّه به حلَمة الثّدي ، فيقال : سَعْدانة الثّنْدُوَة ، وهذا النّبت من أفضل مراعي الإبل ، وفي المثل : « مَرْعىً ولا كالسَعْدان » ؛ ونونه زائدة ؛ لأنّه ليس في الكلام « فَعْلال» غير مضاعف ، إلاّ « خَزْعالٍ» ، وهو ظلْع يلحق الناقة ، «وقهقَار» ، وهو الحجر الصلب ، و «قَسْطال» وهو الغبار . والمسهّد : الممنوع النوم ، وهو السهاد . والأغلال : القيود . والمصفّد : المقيّد . والحُطَام : عروض الدنيا ومتاعها ، شبّه لزواله وسرعة فنائِه بما يتحطّم من العيدان ويتكسّر . ثم قال : كيف أظلم النّاس لأجل نَفْسٍ تموت سريعا ـ يعني نَفْسه عليه السلام ! وأملق : افتقر ، قال تعالى : «وَلاَ تَقْتُلُوا