فإن قلت : إذا كان يلحَق بكلِّ معبود عَبَدته ؛ فالنصارى إذن تلحق بعيسى ، والغلاة من المسلمين بعليّ ، وكذلك الملائكة ، فما القول في ذلك؟
قلت : لا ضرر في التحاق هؤلاء بمعبوديهم ، ومعنى الالتحاق أن يؤمَر الأتباع في الموقف بالتحيّز إلى الجهة التي فيها الرؤساء ، ثم يقال للرؤساء : أهؤلاء أتباعكم وعبدتكم؟ فحينئذٍ يتبرؤون منهم ، فينجو الرؤساء ، وتهلك الأتباع ، كما قال سبحانه : «أَهؤلاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحانَكَ أَنتَ وَليُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنّ أكثَرُهُم بِهِمْ مؤمِنُون» ۱ ، أي إنّما كانوا يطيعون الشياطين المضلّة لهم ، فعبادتهم في الحقيقة للشياطين لا لنا ، وإنهم ما أطاعونا ، ولو أطاعونا لكانوا مهتدين ، وإنما أطاعوا شياطينهم .
ولا حاجة في هذا الجواب إلى أن يقال ما قيل في قوله تعالى : «إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ» ۲ من تخصيص العموم بالآية الاُخرى ، وهي قوله تعالى : «إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ۳ .
فإن قلت : فما قولك في اعتراض ابن الزّبِعْرَى على الآية ، هل هو وارد؟
قلت : لا ؛ لأنّه قال تعالى : «إنَّكمْ وَمَا تَعْبُدُونَ» و «ما» لما لا يعقل ، فلا يردُ عليه الاعتراض بالمسيح والملائكة ، والذي قاله المفسرون من تخصيص العموم بالآية الثانية
تكلّف غير محتاج إليه .
فإن قلت : فما الفائدة في أن قَرَن القوم بأصنامهم في النّار؟ وأي معنى لذلك في زيادة التعذيب والسخط؟
قلت : لأنّ النظر إلى وجه العدوّ باب من أبواب العذاب ، وإنّما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التي ضلّوا بها ، فكلّما رأوها معهم زاد غمّهم وحسرتهم . وأيضا فإنهم قدّروا أن يستشفعوا بها في الآخرة ، فإذا صادفوا الأمرر على عكس ذلك لم يكن شيء أبغضَ إليهم منها .
قوله : «فلم يَجْر» قد اختلف الرّواة في هذه اللفظة ، فرواها قوم «فلم يَجْر» وهو مضارع «جَرى يجري» ، تقول : ما الذي جرى القوم؟ فيقول مَنْ سألته : قَدِم الأمير من السفر ، فيكون المعنى على هذا : فلم يكن ولم يتجدّد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير ولا حقير إلاّ بالحقّ