مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ ، وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ ، فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً ، وَلَكَ مِنْهُمْ شَافِياً ، فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ ، وَإِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَالْجَهْلِ ؛ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا ، وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا ، وَقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَرَأَوْهُ ، وَسَمِعُوهُ وَوَعَوْهُ ، وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ ، فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ ، فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً ، إِنَّهُمْ وَاللّهِ لَمْ يَفِرُّوا مِنْ جَوْرٍ ، وَلَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ ، وَإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هذَا الْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللّهُ لَنَا صَعْبَهُ ، وَيُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ ، وَالسَّلاَمُ عليك وَرحمةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ ۱ .
الشّرْحُ:
قد تقدّم نسبُ سَهْل بن حُنيف وأخيه عثمانَ فيما مضى . ويتسلّلون : يَخرُجون إلى معاويةَ هارِبِين في خِفْية واستتار . قال : «فلا تأسَفْ» ، أي لا تحزن . والغَيّ : الضلال . «ولك منهم شافيا » ، أي يكفيك في الانتقام منهم وشفاءِ النّفس من عقوبَتِهم أنّهم يتسلّلون إلى معاوية .
قال : «ارض لمن غاب عنك غَيْبَته» ، فذاك ذَنْبُ عِقابِه فيه . والإيضاع : الإسراع . وَضَعَ البعيرُ أي اسرَعَ ، وأوْضَعَه صاحبُه . ومُهْطِعون : مُسرعون أيضا ، والأثَرَة : الاستئثار ، يقول : قد عَرَفوا أنّي لا أقسِم إلاّ بالسويّة ، وأنِّي لا أنفّل قوما على قومٍ ، ولا أُعطِي على الأحْساب والأنْساب كما فعل غيري ، فتَرَكوني وهَرَبوا إلى مَنْ يَسْتأثِر ويُؤثر . قال : فبُعْدا لهم وسُحْقا ، دعاءٌ عليهم بالبُعْد والهلاك .
ورُوِي أنّهم «لم يَنْفروا» بالنّون ، من نَفَرَ ؛ ثمّ ذكر أنّه راجٍ من اللّه أن يذلّل له صَعْبَ هذا الأمْر ، ويُسهِّل له حَزْنه ؛ والحَزْن : ما غَلُظ من الأرض ، وضِدّه السّهْل .