غَرَّتْكَ ، وَلكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ ، وَلَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ ، وَآذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ . وَلَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ بِجِسْمِكَ ، وَالنَّقْص فِي قُوَّتِكَ ، أَصْدَقُ وَأَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ ، أَوْ تَغُرَّكَ . وَلَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ ، وَصَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ . وَلَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ ، وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ ، لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ ، وَبَلاَغِ مَوْعِظَتِكَ ، بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ ، وَالشَّحِيحِ بِكَ ! وَلَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً ، وَمَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلاًّ!
وَإِنَّ السُّعَدَاءَ بالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْم . إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ ، وَحَقَّتْ بِجَلاَئِلِهَا الْقِيَامَةُ ، وَلَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ ، وَبِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ ، وَبِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ ، فَلَمْ يَجْرِ فِي عَدْلِهِ وَقِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي الْهَوَاءِ ، وَلاَ هَمْسُ قَدَمٍ فِي الْأَرْض إِلاَّ بِحَقِّهِ ، فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ ، وَعَلاَئِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ ! فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ ، وَتَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ ، وَخُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لاَ تَبْقَى لَهُ ؛ وَتَيَسَّرْ لِسَفَرِكَ ؛ وَشِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ ؛ وَارْحَلْ مَطَايَا التَّشْمِيرِ .
الشّرْحُ:
لقائل أن يقول : لو قال : «ما غرك بربك العزيز أو المنتقم» أو نحو ذلك ، لكان أوْلَى ؛ لأنّ للإنسان المعاتب أن يقول : غرّني كرمُك الّذي وصفتَ به نفسك!
وجواب هذا أنْ يقال : إنّ مجموع الصفات صار كشيء واحد ، وهو الكريم الذي خَلقك فسوّاك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركّبك . والمعنى : ما غرّك بربٍّ هذه صفته ، وهذا شأنه ، وهو قادر على أن يجعلك في أي صورة شاء ! فما الذي يؤمِّنك من أن يمسخك في صورة القرَدة والخنازير ونحوها من الحيوانات العجم ؟ ومعنى الكريم هاهنا : الفيّاض على المواد بالصور ، ومَنْ هذه صفته ينبغي أن يُخاف منه تبديل الصورة .
قال عليه السلام : «أدحض مسئول حُجّة» المبتدأ محذوف ، والحجة الداحضة : الباطلة .