327
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

۶۲

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر رحمه الله لما ولاه إمارتهاأَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وسلم نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ ، وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ . فلمَّا مَضى صلى الله عليه و آله وسلم تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ؛ فَوَاللّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ ! فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاس عَلَى فُـلاَنٍ يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاس قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاْءِسْلاَمِ ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الاْءِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ ، الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَـلاَئِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ .

الشّرْحُ:

المُهيمِن : الشاهد ، قال اللّه تعالى : «إنَّا أرْسَلْنَاكَ شاهِدا وَمُبَشِّرا» ، أي تشهد بإيمان مَنْ آمَن وكُفْر من كَفَر . وقيل : تشهد بصحّة نبوّة الأنبياء قبلك . وقوله : «على المرسلين» ، يؤكّد صحّة هذا التفسير الثاني ، وأصل اللّفظة من « آمن غيره من الخوف» ؛ لأنّ الشاهد يؤمّن غيره من الخَوْف بشهادته ، ثمّ تصرفوا فيها فأَبدلوا إحدَى همزتَي «مؤامن» ياء فصار « مُؤَيْمن» ، ثم قَلَبوا الهمزة هاءً كأرقْت وهَرَقْت فصار «مُهَيْمن» .
والرُّوع : الخلَد؛ وفي الحديث : «إنّ رُوح القُدْس نَفَث في رُوعي» ، قال : ما يخطر لي ببالٍ أنّ العرب تَعدِل بالأمر بعد وفاة محمّد صلى الله عليه و آله وسلم عن بني هاشم ، ثمّ من بني هاشم عنّي ؛ لأنّه كان


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
326

تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا ، وَتَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ الَّتي وَلَّيْنَاكَ - لَيْسَ لها مَنْ يَمْنعُهَا ، وَلاَ يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا - لَرَأْيٌ شَعَاعٌ ، فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ ، غَيْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ ، وَلاَ مَهِيبِ الْجَانِبِ ، وَلاَ سَادٍّ ثُغْرَةً ، وَلاَ كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً ، وَلاَ مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ ، وَلاَ مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ . والسلام .

الشّرْحُ:

هو كُمَيل ۱ بنُ زياد بنِ سهيل النخعي . كان من أصحاب عليّ عليه السلام وشيعتِه وخاصّتِه ، وقتله الحجّاج على المَذْهب فيمن قَتَل من الشّيعة . وكان كُمَيل بنُ زياد عاملَ عليّ عليه السلام على هِيتَ ، وكان ضعيفا يمرّ عليه سرايا معاوية تَنهبُ أطرافَ العِراق ولا يردّها ، ويحاول أن يجبُر ما عندَه من الضّعف بأن يُغِير على أطراف أعمال معاوية مثل قَرْقِيسِيا وما يَجرِي مَجرَاها من القُرَى التي على الفرات ، فأنكر عليه السلام ذلك مِن فِعله ، وقال : إنّ من العجز الحاضرِ أن يُهمِل الوالِي ما وَلِيه ، ويتكلّف ما ليس من تكليفه .
والمتَبَّر : الهالك ؛ قال تعالى : «إنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ» ۲ . والمسالح : جمعُ مَسلَحة ، وهي المواضع الّتي يقام فيها طائفةٌ من الجند لحمايتها . ورأيٌ شَعاع بالفتح ، أي متفرّق .
ثم قال له : «قد صرتَ جسْرا» ، أي يَعبُر عليكَ العدوّ كما يَعبُر الناسُ على الجُسور ، وكما أنّ الجِسْر لا يَمنَع من يَعبُر به ويمرّ عليه فكذاك أنت .
والثُّغْرة : الثُلْمة . ومُجْزٍ : كافٍ ومُغْنٍ ؛ والأصل «مُجزيٌ» بالهمز فخفّف .

1.كان كميل من أعاظم خواص أمير المؤمنين عليه السلام وأصحاب سرّه وهو القائد العابد والزاهد العالم ، كان الإمام عليه السلام يردفه معه على راحلته ويحدّثه بأمور لم يطّلع عليها أحد غيره ، شهد مع الإمام (صفين) ، روى عنه جماعة من التابعين وقد روى دعاء الخضر عليه السلام عن الإمام عليه السلام ، وهو المسمى بدعاء (كميل) ، قتله الحجاج صبراً ، وكان الإمام عليه السلام قد أخبره بذلك . دفن بالثوية في ظهر الكوفة ، وقبره يزار ويتبرك به .

2.سورة الأعراف ۱۳۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5659
صفحه از 800
پرینت  ارسال به