تَعَجَّلْتَهُ ، وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ . مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ . لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ . إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ . سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ .
الشّرْحُ:
واعلم أنّ هذا الفصل يشتمل على نكت كثيرة حكمية :
منها قوله «الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك» ، وهذا حقّ ؛ لأنّ ذلك إنّما يكون على حسب ما يعلمه اللّه تعالى من مصلحة المكلّف ، فتارةً يأتيه الرزق بغير اكتساب ولا تكلّف حركة ، ولا تجشّم سَعْي ، وتارة يكون الأمر بالعكس . وأمّا الرّزق الذي يطلبه الإنسان ويسعى إليه فهو كثير جدا لا يحصى .
ومنها قوله : «ما أقبح الخضوع عند الحاجة ، والجفاء عند الغنى» ! هذا من قول اللّه تعالى : «حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أنّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ * فَلمَّا أنْجَاهُمْ إذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِالحَقِّ» ۱ .
ومنها قوله : «إنّما لك من دنياك ، ما أصلحت به مثواك» ، هذا من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «يابن آدم ، ليس لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأبقيت» .
ومنها قوله : «وإن كنت جازعا على ما تفلّت من يديك ، فاجْزَع على كلّ ما لم يصل إليك» ، يقول : لا ينبغي أنْ تجزَعَ على ما ذهب من مالك ، كما لا ينبغي أن تجزع على ما فاتك من المنافع والمكاسب ؛ فإنّه لا فرق بينهما ، إلاّ أنّ هذا حصل ، وذاك لم يحصل بعد ؛ وهذا فرق غير مؤثّر ؛ لأنّ الذي تظنّ أنه حاصل لك غير حاصل في الحقيقة ، وإنما الحاصل على الحقيقة ما أكلتَه ولبستَه ، وأمّا القنيات والمدّخرات فلعلّها ليست لك .
ومنها قوله : «استدلّ على ما لم يكن بما كان ، فإن الأُمور أشباه» يقال : إذا شئت أن تنظر للدنيا بعدك فانظرها بعد غيرك .