وسادس عشرها ـ قوله : «لا يكبرنّ عليك ظُلْم مَنْ ظلمك ، فإنّه يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرّك أن تسوءه» ، وقوله عليه السلام : «وليس جزاء من سرّك أن تسوءه» ، يقول : لا تنتقم ممن ظلمك فإنه قد نفعك في الآخرة بظلمه لك ، وليس جزاء مَنْ ينفع إنسانا أن يسيء إليه . وهذا مقام جليل لا يقدر عليه إلاّ الأفراد من الأولياء الأبرار .
ومن الناس من يجعل قوله عليه السلام : «وليس جزاء من سرك أن تسوءه» ، كلمة مفردة مستقلّة بنفسها ، ليست من تمام الكلام الأول ، والصحيح ما ذكرناه .
وسابع عشرها ـ ومن حقه أن يقدم ذكره قوله : «ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك» ، هذا كما يقال في المثل : من شؤم الساحرة أنّها أول ما تبدأ بأهلها ، والمراد من هذه الكلمة النّهي عن قطيعة الرّحِم وإقصاء الأهل وحرمانهم ، وفي الخبر المرفوع : «صلوا أرحامكم ولَوْ بالسلام» .
الأصْلُ:
۰.وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ : رِزْقٌ تَطْلُبُهُ ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ . مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى ! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ . اسْتَدِل عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ ، فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ ؛ وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدَابِ ، وَالْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ . اِطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ . مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ ، وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ ، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ . وَالْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى ، وَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ . مَنْ تَعَدَّى الْحَقِّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ . وَأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ . وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ . قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً ، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً . لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ ، وَلاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ ، وَأَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ . أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ