فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ ؛ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً ، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً ، وَلاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً . وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ . وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا . وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ . وَلاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ ، وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَى الاْءِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الاْءِحْسَانِ . وَلاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ ، فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ .
الشّرْحُ:
هذا الفصل قد اشتمل على كثير من الأمثال الحكيمة :
فأوّلها ـ قوله : «لا خير في معين مهين ، ولا في صديق ظنين» ، مثل الكلمة الأُولى قولهم :
إذا تكفّيْتَ بغير كافِوجدتَه للهمّ غيرَ شافِ
ومن الكلمة الثانية أخذ الشاعر قوله :
فإنّ من الإخوان مَنْ شَحَط النَّوىبه وهو راعٍ للوصال أمينُ
ومنهم صديق العين أمّا لقاؤهفحُلْوٌ وأمّا غيبُه فظنِينُ
وثانيها ـ قوله : «ساهل الدهر ما ذلّ لك قَعُوده» ؛ هذا استعارة ، والقَعُود البَكْر حين يمكّن ظهره من الركوب إلى أن يثنى ، ومثل هذا المعنى قولهم في المثل : مَنْ ناطح الدّهر أصبح أجمّ . ومثله :
إذا الدهر أعطاك العِنان فسِرْ بِهِرويدا ولا تعنُفْ فيصبح شامِسَا
وثالثها ـ قوله : «لا تخاطر بشيء رجاءَ أكثر منه» ، هذا مثل قولهم : مَن طلب الفضل ، حُرِم الأصل .