227
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ .
فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ ؛ وَليسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ ، وَلاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ . وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً . وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللّهُ حُرّاً . وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ ، ويُسْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ .
وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ . وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ وَبْيَنَ اللّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ ، فإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ ، وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ .

الشّرْحُ:

مثل الكلمة الأولى قول بعض الحكماء ـ وقد نسب أيضا إلى أمير المؤمنين عليه السلام ـ : أهل الدنيا كركْبٍ يُسار بهم وهم نيام .
قوله : «مخفّض في الطلب» من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «إنّ روح القدس نفث في رُوعي أنّه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجْمِلوا في الطلب» ۱ .

الأصْلُ:

۰.وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ ، وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ ، وَحِفْظُ مَا فِي يَدِيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ ، وَمَرَارَةُ الْيَأس ، خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاس ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ

1.تعدو : تتجاوز ، تعدّى الشيء جاوزه . الأجل : وقت الموت . السبيل : الطريق . أجمل : يقال : أجمل في الطلب ، أي اعتدل ولا تفرّط ، وفي الكلام : تلطّف . مجْمِل : معتدل . المحروم : الممنوع . الرغائب : الأمر المرغوب فيه ، العطاء الكثير . لن تعتاض : لن تحصل على البدل والخلف . توردك : تحضرك وتدنيك . مناهل : جمع منهل ، المورد . قسمك : نصيبك وكذلك سهمك .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
226

وَعْثٍ ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا ، وَلاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا . سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى ، وَأخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى ، فَتاهُوا فِي حَيْرَتِهَا ، وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا ، وَاتَّخَذُوهَا رَبّاً ، فَلَعِبَت بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا ، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا .
رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّـلاَمُ ، كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ ؛ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ ! ۱

الشّرْحُ:

يقول : هذا منزل قُلْعة ؛ بضم القاف وسكون اللام ، أي ليس بمستوطن ؛ يقول : هذا مجلس قُلْعة ، بضم القاف وسكون اللام ، اي ليس بمستوطن ؛ ويقال هذا مجلس قُلْعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرّة بعد مرّة . ويقال أيضا : هم على قُلْعة ، أي على رِحْلة ، والقُلْعة أيضا : هو المال العارية ، وفي الحديث : «بئس المال القُلْعة» ؛ وكلُّه يرجع إلى معنىً واحد . قوله : «ودار بلْغة» ، والبلغة : ما يتبلّغ به من العيش . قوله : «سروح عاهة» ، والسّروح : جمع سَرْح ؛ وهو المال السارح . والعاهة : الآفة ؛ أعاه القومُ أصابت ماشيتَهم العاهة . وواد وَعْث : لا يثبت الحافرُ والخُفّ فيه ، بل يغيب فيه ، ويشقّ على مَنْ يمشي فيه . وأوعث القوم : وقعوا في الوعْث . ومسِيم يُسيمها : راعٍ يرعاها .
قوله : «رويداً يسفر الظلام ...» إلى آخر الفصل ، ثلاثة أمثال محرّكة لمن عنده استعداد . واستقرأني أبو الفرج محمد بن عباد رحمه الله وأنا يومئذٍ حَدَث هذه الوصيّة فقرأتها عليه من حِفْظي، فلمّا وصلتُ إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة، وسقط ـ وكان جبَّارا قاسيَالقلب.

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ الَّليْلَ والنَّهَارَ ، فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً ، ويَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً .

1.أدرك الشيء : لَحِقَهُ . يحول : حال بينهما ، حجز واعترض . أفضى : افتقر . افضى به إلى كذا : بلغ وانتهى به إليه . الأزر : الظهر ، والقوة . بغتة : فجأة . لا تغتر : لا تنخدع . أهمل : ترك . أضلّت : أضاعت . سروح : جمع سرح ، الماشية السائمة . العاهة : الآفة . الوعث : الأرض الرخوة التي تغوص الرجل فيها . وأسأم : ترك الحيوان يرعى على رسله .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6079
صفحه از 800
پرینت  ارسال به