واعلم أنّ في قوله : «قد أذن لك في الدعاء ، وتكفّل لك بالإجابة» إشارة إلى قوله تعالى : «ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ» ۱ . وفي قوله : «وأمرك أن تسأله ليعطيَك» إشارة إلى قوله : «واسْألوا اللّهَ مِنْ فضله» ۲ . وفي قوله : «وتسترحمه ليرحمك» إشارة إلى قوله : «وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» ۳ .
وفي قوله : «ولم يمنعك إن أسأت من التوبة» إشارة إلى قوله : «إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحا فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما» ۴ .
الأصْلُ:
۰.وَاعْلَمْ يَا بُنيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلاْخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا ، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ ، وَلِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ ؛ وَأَنَّكَ فِي مَنزِلِ قُلْعَةٍ ، وَدَارِ بُلْغَةٍ ، وَطرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ ، وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ ، وَلاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ ، وَلاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ ؛ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكتَ نَفْسَكَ .
يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ . وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا ، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا ، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللّهُ عَنْهَا ، وَنَعَتَتْ هِيَ لَكَ نَفْسِهَا ، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا ، فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ ، يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض ، وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا ، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا . نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ ، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ، وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا . سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ