223
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ، وَوَطِّى ء الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ، وَلاَ إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ .

الشّرْحُ:

أمره في هذا الفصل بإنفاق المال والصَّدَقة والمعروف . فقال : إنّ بين يديك طريقا بعيد المسافة ، شديد المشقّة ، ومَنْ سلك طريقا فلا غنىً له عن أن يرتاد لنفسه ، ويتزوّد من الزاد قدر ما يبلّغه الغاية ، وأن يكون خفيف الظهر في سفره ذلك ؛ فإيّاك أن تحمل من المال ما يثقِلكَ ؛ ويكون وبالاً عليك ؛ وإذا وجدت من الفقراء والمساكين مَنْ يحمل ذلك الثّقل عنك فيوافِيك به غدا وقت الحاجة فحمّله إياه ، فلعلك تطلب مالك فلا تجده . جاء في الحديث المرفوع : «خَمْس مَن أتى اللّهَ بهنّ أو بواحدة منهنّ أوجب له الجنّة : مَنْ سقى هامةً صادِية ، أو أطعم كبدا هافية ، أو كسا جلدة عارية ، أو حمل قدما حافية ، أو أعتق رقبة عانية» .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بَيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْض قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالاْءِجَابَةِ ، وَأَمَرَكَ أن تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعرّضْتَ للْفَضِيحَةُ ، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاْءِنَابَةِ ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ ، وَلَمْ يُؤِيسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً ، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً ، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً ، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ ، وَبَابَ الاِْسْتِعْتَابِ ؛ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك ، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ ، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ ، وَأَبْثَثْتَهُ ذاتَ نَفْسِكَ ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك ، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ ، مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ ، وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ ، وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
222

خَازِناً لِغَيْرِكَ ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ ، فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ .

الشّرْحُ:

جاء في الحديث المرفوع : «لا يكمل إيمان عبدٍ حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه» . وقال بعض الأسارى لبعض الملوك : افعل معي ما تحبّ أن يفعل اللّه معك ؛ فأَطلقَه ؛ وهذا هو معنى قوله عليه السلام : «ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم» .
وقوله : «وأحسن» من قول اللّه تعالى : «وَأَحْسِنْ كما أحْسَنَ اللّهُ إليك» ۱ . وقوله : «واستقبح من نفسك» سئل الأحنف عن المروءة ، فقال : أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك . وروي : «وارض من الناس لك» وهي أحسن .
قوله عليه السلام : «فاسْعَ في كدحك» ، أي اذهب ما اكتسبت بالإنفاق ؛ والكدح هاهنا : هو المال الّذي كدح في حصوله ، والسعي فيه إنفاقه ؛ وهذه كلمة فصيحة وقد تقدّم نظائر قوله : « ولا تكن خازنا لغيرك» . ثم أمره أن يكون أخشع ما يكون للّه إذ هَدَاه لرشده ، وذلك لأنّ هدايته إيّاه إلى رشده نعمة عظيمة منه ، فوجب أن يقابل بالخشوع ؛ لأنّه ضرب من الشكر .

الأصْلُ:

۰.وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ، وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ، وَأَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الاْءِرْتِيَادِ ، وَقَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ الزَّادِ ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ ، فَـلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، فَلَعَلِّكَ تَطْلُبُهُ فَـلاَ تَجِدُهُ .
وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ ، لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ . وَاعْلَمْ أَنَّ أمَامَكَ عَقَبَةً كَؤوداً ، الُمخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِن الْمُثْقِلِ ، وَالْمُبْطِى ء عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ ، وَأَنَّ مَهْبَطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ ؛ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ ، فَارْتَدْ

1.سورة القصص ۷۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6090
صفحه از 800
پرینت  ارسال به