لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ ، وَوَطِّى ء الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ ، فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ ، وَلاَ إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ .
الشّرْحُ:
أمره في هذا الفصل بإنفاق المال والصَّدَقة والمعروف . فقال : إنّ بين يديك طريقا بعيد المسافة ، شديد المشقّة ، ومَنْ سلك طريقا فلا غنىً له عن أن يرتاد لنفسه ، ويتزوّد من الزاد قدر ما يبلّغه الغاية ، وأن يكون خفيف الظهر في سفره ذلك ؛ فإيّاك أن تحمل من المال ما يثقِلكَ ؛ ويكون وبالاً عليك ؛ وإذا وجدت من الفقراء والمساكين مَنْ يحمل ذلك الثّقل عنك فيوافِيك به غدا وقت الحاجة فحمّله إياه ، فلعلك تطلب مالك فلا تجده . جاء في الحديث المرفوع : «خَمْس مَن أتى اللّهَ بهنّ أو بواحدة منهنّ أوجب له الجنّة : مَنْ سقى هامةً صادِية ، أو أطعم كبدا هافية ، أو كسا جلدة عارية ، أو حمل قدما حافية ، أو أعتق رقبة عانية» .
الأصْلُ:
۰.وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بَيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْض قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالاْءِجَابَةِ ، وَأَمَرَكَ أن تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعرّضْتَ للْفَضِيحَةُ ، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاْءِنَابَةِ ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ ، وَلَمْ يُؤِيسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً ، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً ، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً ، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ ، وَبَابَ الاِْسْتِعْتَابِ ؛ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك ، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ ، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ ، وَأَبْثَثْتَهُ ذاتَ نَفْسِكَ ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَك ، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ ، وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غيْرُهُ ، مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ ، وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ ، وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ .