وَجَنَاباً مَرِيعاً ، فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ ، وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ ، وَخُشُونَةَ السَّفَرِ ، وَجُشُوبَةَ الْمَطْعَمِ ، لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ ، وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذلِكَ أَلَماً ، وَلاَ يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً . وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ .
وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ ، فَنَبا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ ، وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ ، إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَليْهِ ، وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ .
الشّرْحُ:
حذا عليه يحذو ، واحتذى مثاله ، يحتذي ، أي اقتدى به . وقوم سَفْر ، بالتسكين ، أي مسافرون . وأمُّوا : قصدوا . والمنزل الجديب : ضدّ المنزل الخصيب . والجناب المَرِيع بفتح الميم : ذو الكلأ والعشب ، وقد مَرُع الوادي ، بالضمّ . والجَناب : الفناء . ووعْثاء الطريق : مشقّتها . وجشوبة المطعم : غِلَظه ، طعام جشيب ومجشوب ، ويقال إنّه الذي لا أدْم معه .
يقول : مثلَ من عرف الدنيا وعمل فيها للآخرة كمن سافر من منزل جدب إلى منزل خصيب ، فلقي في طريقه مشقّة ؛ فإنه لا يكترث بذلك في جنب ما يطلب ؛ وبالعكس من عمل للدنيا وأهمل أمر الآخرة ، فإنه كمن يسافر إلى منزل ضَنْك ويهجر منزلاً رحيبا طيباً ، وهذا من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «الدّنيا سِجْن المؤمن وجنّة الكافر» .
الأصْلُ:
۰.يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ ، وَاكْرَهُ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا ، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ ، وَارْضَ مِنَ النَّاس بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مَنْ نَفْسِكَ ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَاتَعْلَمُ ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الاْءِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ ، وَآفَةُ الْأَلْبَابِ ؛ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ ، وَلاَ تَكُنْ