التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب أنبياء بني إسرائيل لم تتضمّن من الأُمور الإلهية ما تضمنه القرآن ، وخصوصا في أمر المعاد .
ثم ذكر له أنه أنصحُ له من كلّ أحد ؛ وأنه ليس يبلغ وإن اجتهد في النظر لنفسه ما يبلغه هو عليه السلام له ، لشدة حبّه له وإيثاره مصلحته . وقوله : «لم آلك نصحا» لم أقصّر في نصحك ، ألى الرجل في كذا يألو أي قصّر فهو آلٍ والفعل لازم ، ولكنه حذف اللام فوصل الفعل إلى الضمير فنصبه ، وكان أصله : لا آلو لك نصحا ، ونصحا منصوب على التمييز .
قوله : «ومنه شفقتك» ، أي خوفك . ورائد : أصله الرجل يتقدّم القوم فيرتاد بهم المرعى .
الأصْلُ:
۰.وَاعْلَمْ يَابُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَلَعَرْفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ ، أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ ، وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بَلاَ نِهَايَةٍ ، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ .
فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ ، وَقِلَّةِ مَقْدُرَتِهِ ، وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ ، وَعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ ، فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأَمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَنٍ ، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيحٍ .
الشّرْحُ:
يمكن أن يستدلّ بهذا الكلام على نفى الثاني من وجهين :
أحدهما : أنّه لو كان في الوجود ثانٍ للباري تعالى لما كان القول بالوحدانيّة حقّا ، بل كان الحقّ هو القول بالتثنية ، ومحال ألا يكون ذلك الثاني حكيما ، ولو كان الحقّ هو إثبات ثانٍ حَكِيم لوجب أن يبعث رسولاً يدعُو المكلّفين إلى التثنية ، لأنّ الأنبياء كلّهم دعوا إلى التّوحيد ، لكن التوحيد على هذا الفرض ضلالٌ ، فيجب على الثاني الحكيم أن يبعث من ينبّه المكلّفين على ذلك الضلال ويرشدهم إلى الحق وهو إثبات الثاني ، وإلاّ كان منسوبا في