الاعتبار . « وتناوشوهم من مكان بعيد» ، أي تناولوهم ، والمراد ذكروهم وتحدّثوا عنهم ؛ فكأنّهم تناولوهم ، وهذه اللفظة من ألفاظ القرآن العزيز : «وَقَالُوا آمنَّا بهِ وَأنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ» ۱ ؛ وأنّى لهم تناولُ الإيمان حينئذٍ بعد فوات الأمر!
الأصْلُ:
۰.يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ ، وَحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ . وَلَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً ، أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً ، وَلَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ ، أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ .
لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ ، وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ . وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ ، وَالْرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ ، لَقَالَتْ : ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلاَّلاً ، وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً ، تَطَؤُونَ فِي هَامِهِمْ ، وَتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ ، وَتَرْتَعُونَ فِيَما لَفَظُوا ، وَتَسْكُنُونَ فِيَما خَرَّبُوا ؛ وَإِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَنَوَائِحُ عَلَيْكُمْ .
أُولئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ ، وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ ، الَّذِينَ كَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ ، وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ ، مُلُوكاً وَسُوَقاً .
الشّرْحُ:
«يرتجعون منهم أجساداً» ، أي يذكرون آباءهم ، فكأنّهم ردّوهم إلى الدنيا ، وارتجعوهم من القبور . وخَوَتْ : خلت . قال : وهؤلاء الموتى أحقُّ بأن يكونوا عبرة وعظةً من أن يكونوا فخراً وشرفاً ، والمفتخرون بهم أولى بالهبوط إلى جانب الذلّة منهم بالقيام مقام العزّ . وتقول :
هذا أحْجَى من فلان ، أي أوْلَى وأجدر . والجناب : الفِناء .
ثم قال : «لقد نظروا إليهم بأبصار العَشْوة» ، أي لم ينظروا النّظر المفِضيَ إلى الرؤية ؛ لأنّ أبصارَهم ذات عَشْوة ، وهو مرض في العين ينقص به الإبصار ، وفي عين فلان عَشَاءٌ وعَشْوة بمعنىً ، ومنه قيل لكلّ أمرٍ ملتبس يركبه الرّاكب على غير بيان : أمر عَشْوة ، ومنه أوطأتني