159
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

دونه حينئذٍ ، وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الإسلام ۱ .

۱۰

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إليه أيضاًوَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مَنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا ، وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا ؛ دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا ، وَقَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا ، وَأَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا ، وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يُنْجِيكَ مِنْهُ مُنْجٍ ، فَاقْعَسْ عَنْ هذَا الْأَمْرِ ، وَخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ ، وَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ ، وَلاَ تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنَّكَ مَتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأَخَذَهُ ، وَبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ ، وَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوح وَالدَّمِ .
وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ ، وَوُلاَةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ ؟ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ ، وَلاَ شَرَفٍ بَاسِقٍ ، وَنَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ . وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتََمادِياً فِي غِرَّةِ

1.ثمّ انّ ابن أبي الحديد يورد روايات كثيرة تؤيد إيمانه ، وأشعاراً كثيرة أيضاً في تمجيد النبي صلى الله عليه و آله وسلمورسالته تدل على إيمانه وإخلاصه . كما يورد أخباراً مكذوبة صنعتها يد الغدر الأُموي والحقد العباسي ، تطعن في إيمانه ؛ الغاية النهائية منها هو إرادة تسقيط الطالبين ، والعلويين والثوار الحسنيين . ثم إن هذا الشارح المتمرس في الانتهازية زعم أنّ الجرح والتعديل تعارضا لديه ، ووفق قواعد الفن ، يقتضي التوقف ، ولذا فهو في أمر إسلام أبي طالب عليه السلام من المتوقفين وهو يعلم أنّ الشك في إيمانه يشكل خدشة في نبوة النبي صلى الله عليه و آله وسلم لأنّه كان حاميه وناصره ومفديه بأولاده ونفسه ، ولا أدلّ على معاندة (ابن أبي الحديد) لمذهب الحق ، هو مصانعته لمذهب أصحابه . وخشيته من اللّه سبحانه ومن رسوله ، ومن مخالفة الوجدان والإيمان !! أولى من خشيته من مخالفة القاعدة الرجالية في الجرح والتعديل .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
158

وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخيّ وأبو جعفر الإسكافيّوغيرهما . وقال أكثر أهل الحديث والعامّة من شيوخنا البصريين وغيرهم : مات على دين قومه . واحتجُّوا في إسلام الآباء بما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : يبعث اللّه عبدَ المطّلب يوم القِيامة وعليه سِيما الأنبياء وبهاء الملوك .
وروي أنّ العبّاس بن عبد المطلب قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بالمدينة : يا رسولَ اللّه ، ما ترجو لأبي طالب ؟ فقال : أرجو له كلّ خير من اللّه عزّ وجلّ . وروى أنّ رجلاً من رجال الشِّيعة ، وهو أبان بن محمود كتب إلى عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام : جُعلتُ فداك ! إني قد شككتُ في إسلام أبي طالب ! فكتب إليه : «وَمَنٍ يُشَاقق الرَّسُولَ مِنْ بعْدِ مَا تَبيّن له الهدى وَيَتَّبعْ غَيْرَ سبيل المؤمنين ..» الآية ، وبعدها : إنك إن لم تقرّ بإيمان أبي طالب كان مصيرُك إلى النار .
وقد روي عن محمد بن عليّ الباقر عليه السلام أنه سئل عمّا يقول الناس : إنّ أبا طالب في ضَحْضاح من نار ؛ فقال : لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأُخرى لرجح إيمانه . ثم قال : ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان يأمر أن يحَجّ عن عبد اللّه وأبيه أبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيته بالحجّ عنهم!
وروي عن عليٍّ عليه السلام أنه قال : ما مات أبو طالب حتّى أعطى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من نفسه الرّضا . قالوا : وأشعار أبي طالب تدلّ على أنه كان مسلما ، ولا فرق بين الكلام المنظوم والمنثور إذا تضمنا إقراراً بالإسلام . قالوا : وروي عن عليّ عليه السلام أنه قال : قال لي أبي : يا بنيّ الزم ابنَ عَمِّك ، فإنك تسلم به من كلّ بأس عاجل وآجل ، ثم قال لي :

إن عليا وجعفرا ثقتيعند ملمّ الزَّمانِ والنُّوَبِ
لا تخذلا وانصرا ابنَ عمّكماأخي لأُمّي من بينهمْ وأبي
واللّه لا أخذل النبيّ ولايخذله من بنيّ ذو حَسَب
ومن ذلك قوله :

لقد أكرم اللّه النبيَّ محمدافأكرمُ خلق اللّه في النّاس أحمدُ
وشقّ له مِنْ اسمِه ليُجلَّهفذُو العرش محمود وهذا محمّد
قالوا : وإنّما لم يظهِر أبو طالب الإسلامَ ويجاهر به ؛ لأنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصْرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمما تهيّأ له ، وكان كواحدٍ من المسلمين الّذين اتّبعوه ، ولم يتمكّن من نصْرته والقيام

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5744
صفحه از 800
پرینت  ارسال به