وأعلم أن اللّه سبحانه يعرف انتفاءه ، وكلّ ما يعلم اللّه انتفاءه فليس بثابت .
وتقول : أدلَى فلان بحجّته ، أي احتجّ بها ، وفلان مُدْلٍ برَحمِه ، أي مَتَّ بها ، وأدْلَى بماله إلى الحاكم : دفعه إليه ليجعله وسيلة إلى قضاء حاجته منه ، فأمّا الشّفاعة فلا يقال فيها : «أدليت»، ولكن «دلوت بفلان» أي استشفعت به .
قوله عليه السلام : «فلم أره يسعُني» ، أي لم أرَ أنه يحلّ لي دفعهم إليك . والضمير في «أرَهُ» ضمير الشأن والقصّة ، و«أره» من الرأي لا من من الرؤية ، كقولك : لم أرَ الرّأي الفلاني . ونزع فلان عن كذا ، أي فارقه وتركه ، ينزِع بالكسر . والغيّ : الجهل والضلال . والشّقاق : الخلاف . الوجْدان : مصدر وجدت كذا ، أي أصبته . والزّور : الزائر . واللُّقيان : مصدر لقيت ، تقول : لقيته لقاءً ولقياناً .
ثم قال : «والسلام لأهله» لم يستجز في الدين أن يقول له : «والسلام عليك » ؛ لأنّه عنده فاسق لا يجوز إكرامه ، فقال : «والسلام لأهله» ، أي على أهله .
واعلم أنّ هذه الكلمات التي ذكرها الرضيُّ رحمة اللّه عليه ملتقَطة من كتابه عليه السلام الّذي كتبه جوابا عن كتاب معاوية النافذ إليه مع أبي مسلم الخوْلانيّ ، وقد ذكره أهلُ السِّيرة في كتبهم .
وفي تفسير قوله عليه السلام : «مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلوٌ ممّا نحن فيه يحلف يمنعُه ، أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن» .
فنقول : إنّ بني هاشم لما حُصِروا في الشِّعب بعد أن مَنَعُوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم من قُريش ، كانوا صِنْفين : مسلمين وكفاراً ، فكان عليٌّ عليه السلام وحمزة بن عبد المطلب مسلمين . واختُلف في جعفر بن أبي طالب : هل حُصِر في الشِّعب معهم أم لا ؟ فقيل : حُصِر في الشِّعب معهم ، وقيل : بل كان قد هاجر إلى الحبشة ، ولم يشهد حِصَار الشِّعب ، وهذا هو القول الأصح . وكان العبّاس رحمه الله في حِصَار الشِّعب معهم إلاّ أنَّه كان على دين قومه ، وكذلك عَقِيل بن أبي طالب ، وطالب بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، وأبو سفيان بن الحارث بن بعد المطلب ، وابنه الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ـ وكان شديدا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، يُبغضه ويَهْجوه بالأشعار ، إلاّ أنه كان لا يرضى بقتله ، ولا يقارّ قريشا في دمه ؛ محافظة على النسب ـ وكان سَيّد المحصورين في الشّعب ورئيسهم وشيخهم أبو طالب بن عبد المطّلب ، وهو الكافل والمحامي .
واختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية وأكثر الزّيدية : ما مات إلاّ مسلما .