بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ . وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ ، وَمَنِيَّتُهُ أُخِّرَتْ . فَيَاعَجَباً لِلدَّهِرِ ! إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لاَ يُدْلِي أحَدٌ بِمِثْلِهَا ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لاَ أَعْرِفُهُ ، وَلاَ أَظُنُّ اللّهَ يَعْرِفُهُ . وَالْحَمْدُ للّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ .
وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثَْمانَ إِلَيْكَ ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الْأَمْرِ ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى غَيْرِكَ ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ ، لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْرٍ ، وَلاَ جَبَلٍ وَلاَ سَهْلٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوؤُكَ وِجْدَانُهُ ، وَزَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ ، وَالسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ .
الشّرْحُ:
قوله عليه السلام : «فأراد قومنا» ، يعني قريشاً . والاجتياح : الاستئصال ، ومنه الجائحة وهي السَّنَة ، أو الفتنة التي تجتاح المال أو الأنفس .
قوله : «ومنعونا العذب» ، أي العيش العذب ، لا أنّهم منعوهم الماء العَذْب ، على أنه قد نقل أنّهم منعوا أيام الحصار في شِعْب بني هاشم من الماء العذب . «وأحلسونا الخوف» ، أي ألزموناه . والحِلْس : كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير . وأحلاس البيوت : ما يُبسَط تحت حُرِّ الثياب ، وفي الحديث : « كن حِلْس بيتك» ، أي لا تخالط النّاس واعتزلْ عنهم ، فلما كان الحِلْس ملازما ظهرَ البعير ، وأحلاس البيوت ملازمة لها ، قال : «وأحلسونا الخوف» ؛ أي جعلوه لنا كالحِلْس الملازم . «واضطرونا إلى جبل وعر» ، مَثَل ضرَبَه عليه السلام لخشونة مُقامِهم وشَظَف منزلهم ، أي كانت حالنا فيه كحال من اضطر إلى ركوب جبل وَعْر ، ويجوز أن يكون حقيقة لا مثلاً ؛ لأنّ الشّعب الذي حصروهم فيه مَضِيق بين جبلين .
قوله : «فعزم اللّه لنا» ، أي قضى اللّه لنا ، ووفّقنا لذلك ، وجعلنا عازمين عليه . والحوْزة :