333
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

أَمْس أَنَّا آمَنَّا وَكَفَرْتُمْ ، وَالْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَفُتِنْتُمْ ، وَمَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلاَّ كَرْهاً ، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الاْءِسْلاَمِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، حَرْباً.
وذَكَرْتَ أنّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ ، وَشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ ، وَنَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ ! وَذلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ ، فَـلاَ عَلَيْكَ ، وَلاَ الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ .
وَذَكَرْتَ أنّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ ، وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ ، فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ ، فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ ! وَإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ :

مُسْتَقْبِلِينَ رِيَـاحَ الصَّيْـفِ تَضْرِبُهُـمْبِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَجُلْمُودِ
وَعِنْدِيَ السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَخَالِكَ وَأَخِيكَ فِي مَقَـامٍ وَاحِدٍ .
وَإِنَّكَ وَاللّهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ ، الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ : إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لاَ لَكَ ، لاِنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ ، وَرَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ ، وَطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلاَ فِي مَعْدِنِهِ ، فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ !
وَقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَأَخْوَالٍ ! حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وَتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ ، لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً ، وَلَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً ، بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلاَ مِنْهَا الْوَغَى ، وَلَمْ تُماشها الْهُوَيْنَى .
وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثمانَ ؛ فَادْخُلْ فِيَما دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ، ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ ، أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ ؛ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ . وَالسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ .

الشّرْحُ:

[مجموع الرسائل المتبادلة بين أمير المؤمنين عليه السلام ، وبين معاوية ۱۵ رسالة ، وهذه الثانية عشرة ، وهي جميعاً متقاربة في مضامينها وأهدافها ، وما فتئ معاوية يكيل الشتائم والتهم


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
332

مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ منكم» ۱ . «وماهي بالهُوَينَى الّتي ترجو» الهُوَينَى تصغير «الهونى» التي هي أُنثى «أَهْوَن» ، أي ليست هذه الداهية والجائحة الّتي أذكُرها لك بالشيء الهيّن التي ترجو اندفاعَه وسهولتَه .
ثم قال : بل هي الداهيَة الكبرى ستفعل لا مَحالة إن استمررتَ على ما أنت عليه ، وكنَى عن قوله : «ستفعل لا محالة» بقوله : «يركب جملها» وما بعده ، وذلك لأنّها إذا ركب جملُها ، وذلّل صعبُها وسهل وعَرُها فقد فعلت ، أي لا تقل : هذا أمرٌ عظيم صعبُ المرام ، أي قصد الجيوش من كلا الجانِبَين الكوفة ، فإنه إن دام الأمرُ على ما أشرتَ إلى أهل الكوفة من التخاذُل والجلوس في البيوت ، وقولك لهم : «كن عند اللّه المقتول» لنقعنّ بموجب ما ذكرته لك ، وليرتكبنّ أهل الحجاز وأهل البصرة هذا الأمرَ المستصعب ؛ لأنّا نحن نطلب أن نَملك الكوفة ، وأهلُ البصرة كذلك ، فيجتمع عليها الفريقان .
ثم عاد إلى أمره بالخروج إليه فقال له : «فاعقِل عَقْلك ، واملِك أمرَك ، وخذ نصيبَك وحَظّك» ، أي من الطاعة ، واتّباع الإمام الّذي لِزمْتك بيعته ، فإن كرهتَ ذلك ، فتنحّ عن العمل فقد عزلتُك . وابعُد عنّا لا في رحْبٍ ، أي لا في سَعَة ، وهذا ضدّ قولهم : مَرْحبا .
ثم قال : فجديرٌ أن تُكفى ما كُلّفته من حضور الحَرْب وأنت نائم ، أي لست معدودا عندنا ولا عندَ الناس من الرّجال الّذين تَفتقر الحروب والتّدبيرات إليهم ، فسيُغني اللّهُ عنك ولا يقال : أين فلان ؟ ثم أقسَم أنّه لحقّ ، أي أنّي في حرب هؤلاء لَعَلَى حقّ ، وإن من أطاعني مع إمام مُحِقّ ليس يُبالي ما صنَع الملحدون ، وهذا إشارةٌ إلى قولِ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «اللهمّ أدِرِ الحقّ معه حيثما دارَ» .

۶۴

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جواباً عن كتابهأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الاُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَفَرَّقَ بيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

1.سورة الأحزاب ۱۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5982
صفحه از 800
پرینت  ارسال به