249
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الخِناق بالكسر ؛ فالحبل تخنق به الشاة . والرمَق : بقية الروح . قوله عليه السلام : «فلأياً بلأي ما نجا » ، أي بعد بط ء وشدة ، وما زائدة أو مصدرية ، وانتصب «لأياً» على المصدر القائم مقام الحال ، أي نجا مبطئا ، والعامل في المصدر محذوف أي أبطأ بطئا ؛ والفائدة في تكرير اللفظة المبالغة في وصف البط ء الذي نجا موصوفه به ، أي لأيا مقرونا بلأي .
قوله : «فدع عنك قريشا» إلى قوله : «على حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم» ، هذا الكلام حقّ ، فإنّ قريشا اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضا له وحسدا وحقدا عليه ، فأصفقوا كلّهم يدا واحدة على شقاقه وحَرْبه ، كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، لم نخرم حاله من حاله أبدا إلاّ أن ذاك عصمه اللّه من القتل ، فمات موتا طبيعيا ، وهذا اغتاله إنسان فقتله . قوله : «فجزت قريشا عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أُمّي» ، هذه كلمة تجري مجرى المثل ، تقول لمن يسيء إليك وتدعوا عليه : جزتك عني الجوازي ! يقال : جزاه اللّه بما صنع ، وجازاه اللّه بما صنع ! ومصدر الأول جزاء ، والثاني مجازاة ، وأصل الكلمة أن الجوازي جمع جازية كالجواري جمع جارية ، فكأنه يقول : جَزَتْ قريشا عنّي بما صنعت لي كلّ خصلة من نكبة أو شدة أو مصيبة أو جائحة ، أي جعل اللّه هذه الدواهي كلّها جزاء قريش بما صنعت بي . وسلطان ابن أُمّي ، يعني به الخلافة ، وابن أُمّه هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم ، أُمّ عبد اللّه وأبي طالب ، ولم يقل سلطان ابن أبي ؛ لأنّ غير أبي طالب من الأعمام يشرَكه في النسب إلى عبد المطلب .
قوله : «فإن رأيي قتال المحِلّين» ، أي الخارجين من الميثاق والبيعة ، يعني البُغاة ومخالفي الإمام ، ويقال لكلّ من خرج من إسلام أو حارب في الحرم أو في الأشهر الحرُمِ : مُحلّ .
وروي «متخضّعا متضرّعا» بالضاد . ومقرّ للضيم وبالضيم ، أي راض به ، صابرٌ عليه . وواهنا ، أي ضعيفا . السلس : السهل . ومقتعد البعير : راكبه .
والشعرُ ينسب إلى العباس بن مِرْداس السُّلَميّ ، ولم أجده في ديوانه ، ومعناه ظاهر ، وفي الأمثال الحكمية : لا تشكونّ حالك إلى مخلوق مثلك ، فإنه إن كان صديقا أحزنْته ، وإن كان عدوّا أشمتّه ، ولا خير في واحد من الأمرين .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
248

وَأَمَّا مَا سَألتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِي الْقِتَالِ ، فَإِنَّ رَأيِي قِتَالُ الُْمحِلِّينَ حَتَّى ألْقَى اللّهَ ؛ لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاس حَوْلِي عِزَّةً ، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً ، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ - وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ - مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً ، وَلاَ مُقِرّاً لِلضيْمِ وَاهِناً ، وَلاَ سَلِسَ الزِّمَامِ لِلْقَائِدِ ، وَلاَ وَطِيءَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ المُقْتَعِد ، وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيمٍ :

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِيصَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ
يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌفَيَشْمَتَ عَادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ

الشّرْحُ:

قد تقدم ذكر هذا الكتاب في اقتصاصنا ذكر حال بُسْر بن أرطاة وغارته على اليمن في أول الكتاب ۱ .
ويقال : طفّلت الشمس ، بالتشديد ، إذا مالَت للغروب ، وطفّل الليل ، مشدّدا أيضا ، إذا أقبل ظلامه ، والطَّفَل ، بالتحريك : بعد العصر حين تطفُل الشمس للغروب ؛ ويقال : أتيته طَفَلى ؛ أي في ذلك الوقت . وقوله عليه السلام : «للإياب» ، أي للرجوع ، أي ما كانت عليه في الليلة التي قبلها ، يعني غيبوبتها . «فاقتتلوا شيئا كلا ولا» ، أي شيئا قليلاً ، وموضع «كلا ولا» نصب ؛ لأنّه صفة «شيئا» ، وهي كلمة تقال لما يستقصر وقته جدا ؛ والمعروف عند أهل اللغة : ( كلا وذا ) . وقد رويت في ( نهج البلاغة ) كذلك ، إلاّ أن في أكثر النسخ : «كلا ولا» ، ومن الناس من يرويها : «كلا ولات» ، وهي حرف أُجري مجرى «ليس» ؛ ولا تجيء «حين» إلاّ أن تحذف في شعر ، ومن الرواة من يرويها : «كلا ولأي» ، ولأي فِعْل ، معناه أبطأ .
قوله عليه السلام «نجا جريضا» ، أي قد غصّ بالريق من شدة الجهد والكرب ، يقال : جَرَض بريقه يجرِض بالكسر ، مثال كسر يكسِر ، ورجل جريض مثل قَدَر يقدر فهو قدير ، ويجوز أن يريد بقوله : «فنجا جريضاً» ، أي ذا جريض ، والجريض : الغصّة نفسها . قال الأصمعيّ : ويقال : هو يجرَض بنفسه ، أي يكاد يموت . وأجرضه اللّه بريقه أغصّه . «بعدما أخذ منه بالمخنّق» ، هو موضع الخنق من الحيوان ، وكذلك الخُناق ، بالضمّ ؛ يقال أخذ بخُناقه ، فأما

1.الجزء الثاني من الشرح ص ۳ وما بعدها .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 6043
صفحه از 800
پرینت  ارسال به