وَأَمَّا مَا سَألتَ عَنْهُ مِنْ رَأيِي فِي الْقِتَالِ ، فَإِنَّ رَأيِي قِتَالُ الُْمحِلِّينَ حَتَّى ألْقَى اللّهَ ؛ لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاس حَوْلِي عِزَّةً ، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً ، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ - وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ - مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً ، وَلاَ مُقِرّاً لِلضيْمِ وَاهِناً ، وَلاَ سَلِسَ الزِّمَامِ لِلْقَائِدِ ، وَلاَ وَطِيءَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ المُقْتَعِد ، وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيمٍ :
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِيصَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ
يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌفَيَشْمَتَ عَادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ
الشّرْحُ:
قد تقدم ذكر هذا الكتاب في اقتصاصنا ذكر حال بُسْر بن أرطاة وغارته على اليمن في أول الكتاب ۱ .
ويقال : طفّلت الشمس ، بالتشديد ، إذا مالَت للغروب ، وطفّل الليل ، مشدّدا أيضا ، إذا أقبل ظلامه ، والطَّفَل ، بالتحريك : بعد العصر حين تطفُل الشمس للغروب ؛ ويقال : أتيته طَفَلى ؛ أي في ذلك الوقت . وقوله عليه السلام : «للإياب» ، أي للرجوع ، أي ما كانت عليه في الليلة التي قبلها ، يعني غيبوبتها . «فاقتتلوا شيئا كلا ولا» ، أي شيئا قليلاً ، وموضع «كلا ولا» نصب ؛ لأنّه صفة «شيئا» ، وهي كلمة تقال لما يستقصر وقته جدا ؛ والمعروف عند أهل اللغة : ( كلا وذا ) . وقد رويت في ( نهج البلاغة ) كذلك ، إلاّ أن في أكثر النسخ : «كلا ولا» ، ومن الناس من يرويها : «كلا ولات» ، وهي حرف أُجري مجرى «ليس» ؛ ولا تجيء «حين» إلاّ أن تحذف في شعر ، ومن الرواة من يرويها : «كلا ولأي» ، ولأي فِعْل ، معناه أبطأ .
قوله عليه السلام «نجا جريضا» ، أي قد غصّ بالريق من شدة الجهد والكرب ، يقال : جَرَض بريقه يجرِض بالكسر ، مثال كسر يكسِر ، ورجل جريض مثل قَدَر يقدر فهو قدير ، ويجوز أن يريد بقوله : «فنجا جريضاً» ، أي ذا جريض ، والجريض : الغصّة نفسها . قال الأصمعيّ : ويقال : هو يجرَض بنفسه ، أي يكاد يموت . وأجرضه اللّه بريقه أغصّه . «بعدما أخذ منه بالمخنّق» ، هو موضع الخنق من الحيوان ، وكذلك الخُناق ، بالضمّ ؛ يقال أخذ بخُناقه ، فأما