صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا الْمُؤَقَّتِ لَهَا ، وَلاَ تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغٍ ، وَلاَ تُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لاِشْتِغَالٍ . وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ .
الشّرْحُ:
آسِ بينهم : اجعَلْهم أسوَة ، لا تفضّل بعضهم على بعض في اللَّحظة والنظرة ، ونبّه بذلك على وجوب أن يَجعَلهم أسوَة في جميع ما عدا ذلك ، من العطاء والإنعام والتقريب ، كقوله تعالى : «فَلا تَقلْ لَهُمَا أُفٍّ» ۱ .
قوله : «حتى لا يطمع العظماءُ في حَيْفك لهم» ، الضمير في «لهم» راجعٌ إلى الرعيّة لا إلى العظماء ، وقد كان سبق ذكرهم في أوّل الخطبة ، أي إذا سلكتَ هذا المسلكَ لم يَطمع العظماءُ في أن تحيف على الرعيّة وتظلمهم وتدفعَ أموالهم إليهم ، فإنّ وُلاة الجور هكذا يفعلون ، يأخذون مال هذا فيُعطونَه هذا . ويجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء ، أي حتّى لا يطمَع العظماءُ في جَوْرك في القَسْم الّذي إنما تفعله لهم ولأجلهم ، فإنّ ولاة الجور يَطمَع العظماءُ فيهم أن يحيفوا في القسمة في الفَيْء ، ويخالفوا ما حدّه اللّهُ تعالى فيها ، حفظا لقلوبهم ، واستمالةً لهم ، وهذا التفسير أليَقُ بالخطابة ؛ لأنّ الضمير في «عليهم» في الفقرة الثالثة عائد إلى الضعفاء ؛ فيجب أن يكون الضمير في «لهم» في الفقرة الثانية عائدا إلى العظماء .
قوله : «فإن يعذب فأنتم أظلم» أفعل هاهنا بمعنى الصّفة ، لا بمعنى التفضيل ، وإنما يراد فأنتم الظالمون ، كقوله تعالى : «وَهُوَ أَهوَنُ عَلَيْهِ» ۲ . وكقولهم : اللّه أكبر .
ثم ذكر حال الزُّهاد فقال : أخذوا من الدنيا بنصيبٍ قويّ ، وجعلت لهم الآخرة . ورُوِي : «والمتْجَر المربح» ، فالرابح فاعلٌ من ربح رِبْحا ، يقال : بيعٌ رابح أي يُربَح فيه ، والمُربح : اسم فاعل قد عُدِّيَ ماضيه بالهمزة ، كقولك : قام وأقمتُه .
قوله : «جيرانُ اللّه غدا في آخرتهم» ؛ ظاهر اللفظ غيرُ مراد ، لأنّ البارئ تعالى ليس في مكان وجهةٍ ليكونوا جيرانَه ، ولكن لمّا كان الجار يُكرِم جاره سمّـاهم جيران اللّه ، لإكرامه إيّاهم ، وأيضا فإنّ الجنة إذا كانت في السّماء والعرش هو السّماء العليا ، كان في الكلام محذوف مقدَّر ، أي جيرانُ عرش اللّه غدا .