تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ ، غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلاَ مَجْهُودَاتٍ ، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ .
الشّرْحُ:
قد كَرّر عليه السلام قوله : «لنَقسِمها على كتاب اللّه وسُنّة نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم» في ثلاثة مواضعَ مِن هذا الفَصْل!
الأوّل ـ قولُه : «حتى يوصله إلى وليِّهم لِيَقسِمَه بينهم» .
الثاني ـ قوله عليه السلام : «نصيِّره حيث أمَرَ اللّه به» .
الثالث ـ قوله : «لنَقسِمها عَلَى كتاب اللّه » ، والبلاغة لا تقتضي ذلك ، ولكنّي أظنّه أحبَّ أن يَحتاط ، وأن يدفع الظِّنّة عن نفسِه ، فإن الزّمان كان في عهده قد فَسَد ، وساءت ظُنونُ الناس ، لا سيّما مع ما رآه من عثمان واستئثاره بمالِ الفَيْء .
ونعود إلى الشرح . قوله عليه السلام : «عَلَى تقَوَى اللّه » ، «على» ليست متعلّقة بـ « انطلِقْ» ، بل بمحذوف ، تقديرُه : مُواظِبا . «ولا تُرَوعَنّ» ، أي لا تُفَزِّعَنّ ، والرَّوع الفَزَع ، رُعتْه أرُوعه ، ولا تُروِّعنّ بتشديد الواو وضَمِّ حَرف المضارَعة ، من رَوّعت للتكثير . «ولا تجتازَنّ عليه كارهاً» ، أي لا تَمُرّنّ ببيوت أحدٍ من المسلمين يكره مُرورَك . ورُوِي : «ولا تَختارَنّ عليه» ، أي لا تَقسِم مالَه وتختَرْ أحدَ القِسْمين ، والهاء في « عليه » ترجع إلى «مُسلِما» ، وتفسير هذا سيأتي في وصيّته له أن يَصدَع المال ثم يصدعه ، فهذا هو النّهي عن أن يختار عَلَى المسلِم . والرواية الأُولى هي المشهورة .
قوله عليه السلام : «فانزلْ بمائهم» ، وذلك لأنّ الغريبَ يُحمَد منه الانقباض ، ويُستَهْجَن في القادم أن يُخالط بيوت الحيّ الذي قدم عليه فقد يكون هناك من النساء من لا تليق رؤيتُه ، ولا يحسُن سماعُ صَوته ، ومن الأطفال من يَستهجِن أن يرى الغريبَ انبساطَه على أبويه وأهلِه ، وقد يكره القومُ أن يطّلع الغريبُ عَلَى مأكَلهم ومشرَبهم وملبَسهم وبواطنِ أحوالهم ، وقد يكونون فقراء فيكرهون أن يعرِف فقرَهم فيحتقرهم ، أو أغنياءَ أربابَ ثروة كثيرةٍ فيكرهون أن يَعلَم الغريبُ ثروتَهم فيحسُدَهم ، ثم أمره أن يَمضِيَ إليهم غير متسرِّع ولا عَجِلٍ ولا طائشٍ نزِق ، حتى يقوم بينهم فيسلِّم عليهم ويحيِّيهم تحيّةً كاملة ، غير مخدجة ، أي غير ناقصة ، أخدجَتِ الناقةُ إذا جاءت بوَلَدها ناقصَ الخَلْق ، وإن كَانت أيامه تامّة ، وخَدَجتْ : ألقتْ الولدَ قبل تَمام أيّامه . ورُوي : «ولا تُحْدج بالتحيّة» ، والباء زائدة .