أَبَا الْعَبَّاس ، رَحِمَكَ اللّهُ ، فِيَما جَرَى عَلَى لِسَانِكَ وَيَدِكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ! فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذلِكَ ، وَكُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ ، وَلاَ يَفِيلَنَّ رَأَيِي فِيكَ ، وَالسَّلاَمُ .
الشّرْحُ:
قوله عليه السلام : مَهْبط إبليس : موضع هُبوطه . ومغرس الفِتَن : موضع غَرْسِها ، ويروَى «ومُغْرسِ الفتن» ، وهو الموضع الّذي ينزِل في القومُ آخر اللّيل للاستراحة ، يقال : غَرَسوا وأغرَسوا . وقولهُ عليه السلام : «فحادِثْ أهلَها» ، أي تعهّدْهم بالإحسان ، من قولِك : حادثتُ السيفَ بالصِّقال . والتنمُّر للقوم : الغلْظة عليهم ، والمعامَلة لهم بأخلاق النَّـمرِ ، من الجرْأة والوثوب . والوَغْم : التِّرة ، والأوْغام : التِّرات ، أي لم يُهدَر لهمْ دمٌ في جاهليّة ولا إسلام ، يصفُهم بالشّجاعة والحَميّة . ومأزُورون ، كان أصله «مَوْزورُون» ، ولكنّه جاء بالألف لِيُحاذِي به ألفَ « مأجُورُون» ، وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم مثل ذلك .
قوله عليه السلام : «فاربَعْ أبا العباس» ، أي قِفْ وتثبَّت في جميع ما تعتمدُه فِعلاً وقَوْلاً من خَيْر وشر ، ولا تَعجَل به فإنّي شريكُك فيه إذ أنتَ عاملي والنائبُ عنّي . ويعني بالشرّ هاهنا الضررَ فقط ، لا الظّلم والفِعل القبيح . «وكن عند صالح ظنّي فيك» ، أي كن واقفا عندَه كأنّك تشاهِدُه فتَمنَعك مشاهَدَته عن فعلِ ما لا يجوز . فال الرأيُ يَفيل ، أي ضَعُف وأخطأ .
۱۹
الأصْلُ:
۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً ، وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً ، وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لَأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ ، وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ ، فَالْبَسَ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ ، وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ ،