فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ ، وَشِيمُوا سُيُوفَكُمْ ، فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ ، وَإِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ . فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْعَبَّاس ، وَخُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ ، وَحُوطُوا قَوَاصِيَ الاْءِسْلاَمِ . أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى ، وَإِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى !
الشّرْحُ:
جفاة : جمع جافٍ ، أي هم أعراب أجْلاف . والطّغام : أوغاد الناس ، الواحد والجمع فيه سواء . ويقال للأشرار واللئام : عبيد ، وإن كانوا أحرارا . والأقزام ، بالزاي : رُذال الناس وسِفْلتهم ، والمسموع قَزَم ، الذكر والأنثى والواحد والجمع فيه سواء ؛ ولكنه عليه السلام قال : « أقزام » ليوازن بها قوله : «طغام» ، وقد روي : «قِزَام» ، وهي رواية جيدة ، وقد نطقت العرب بهذه اللفظة . وجُمعوا من كلّ أوب ، أيْ من كلّ ناحية . وتُلقِّطُوا من كلِّ شوب ، أي من فِرَقٍ مختلطة .
ثم وصف جهلهم وبعدَهم عن العِلْم والدّين ، فقال : ممّن ينبغي أن يفقّه ويؤدّب ، أي يعلّم الفقه والأدب . ويدرّب ، أي يعوّد اعتماد الأفعال الحَسنة والأخلاق الجميلة . ويولَّى عليه ، أي لا يستحقُّون أن يولَّوْا أمرا ، بل ينبغي أن يحجَر عليهم كما يحجر على الصبيّ والسّفيه لعدم رُشْده . وروي : «ويولَى عليه» ، بالتّخفيف . ويؤخذ على يديه ، أي يمنع من التصرّف .
قوله عليه السلام : «ولا الذين تبوءوا الدّار والإيمان» ، ظاهر اللفظ يشعر بأن الأقسام ثلاثة وليست إلاّ اثنين ؛ لأنّ الّذين تبوءوا الدّار والإيمان الأنصار ، ولكنه عليه السلام كرّر ذكرهم تأكيدا ، وأيضا فإن لفظة «الأنصار» واقعة على كلِّ مَنْ كان من الأوس والخزرج ، الذين أسلَمُوا على عهدِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلموالذين تبوءوا الدار والإيمان في الآية ، قوم مخصوصون منهم ، وهم أهل الإخلاص والإيمان التّام فصار ذكرُ الخاصّ بعد العام ، كذكره تعالى جبريل وميكائيل ؛ ثم قال : «والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِك ظَهِير» ۱ ، وهما من الملائكة . ومعنى قوله : «تبوءوا الدار والإيمان» سكنوهما ، وإن كان الإيمان لا يسكن كما تسكن المنازل ، لكنّهم لما ثبتوا عليها ، واطمأنّوا سمّـاه منزِلاً لهم ومتبوَّأً .