59
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

ثانيا : النصّ والتشريع وآلياتهما

هناك ارتباط وثيق بين النصّ والتشريع بحيث لا يمكن التفريق بينهما ، وهكذا بدأت مسيرة التشريع مع النصّ إذ كان هو بمثابة الواقع ، ولهذا توجّه المسلمين منذ الأيّام الاُولى للتشريع لفهم الواقع من خلال إدراك آليات النصّ ، ولهذا أخذت الأسئلة تتاكثر حول تفسير الرأي وما هو مقدار شرعيته ومعطياته، وليس هذا إلاّ إرادة معرفة مناهج النصّ الشرعي ؛ لأنّ النصّ أخذ يتطوّر ويمثّل موقعية متقدّمة في صعيد الرسالة الشرعية ، مع الأخذ بعين الاعتبار قداسة النصّ الدّيني والخوف عليه من
الانحرافات والتزويرات ، وإزداد الأمر خطورة في الاعتقادات الدّينية ، لأنّ العقيدة الدّينية استمدّت شرعيتها وفهمها وإدراكها من خلال وعي النصّ وإدراكه.
وكان الشريف المرتضى قدس سره كثير الأهمية لفهم آليات النصّ الدّيني وما تتركه من تأثيرات على النصّ ودرجة فهمه ووعيه ، فلذلك نرى إزدهاره في حقول المعرفة الإسلامية وبالتالي وضع منهجية مبرمجة سارية في جميع حقول المعرفة ، فكان له حضور في جميع الانتاجات المعرفية الإسلامية الّذي كونه من العقل والجهد والمثابرة العلمية عبر هذه السنوات الطوال.
فلو تفحصنا التراث العلمي للشريف المرتضى قدس سره لرأينا أنّ آليات النصّ ومناهجه كان المحور فيها ، وكذلك الإبداعات على كافة الأصعدة المعرفية رأينا النصوص الشرعية والاُسس العقلية عاملين أساسيين فيهما.
وقد درسنا مناهج الرواية ، وذلك لمعرفة النصّ الشرعي الّذي هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم بجميع أقسامه ، بحيث يصبح صالحا لاستمداد الأحكام الشرعية منه ـ على مباني الشريف المرتضى قدس سره ـ .


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
58

أوّلاً : النصّ بين الواقع والتشريع

الحديث عن منهج السنّة الشريفة يضفي علينا طريقة مستقيمة في فهم النصّ الدّيني ، فإنّ معرفة المنهج بحدّ ذاته في كلّ علم هو صيانة منطقية صحيحة ومنضبطة للعلم ذاته حتّى لا يدخل في متاهات وإشكالات . فمن هذه الرؤية الثاقبة استدعى كلّ علم وضع منهج صحيح له يصونه عن الانحرافات . وتكون هذه المناهج بمثابة رؤوس أقلام لسير هذا العلم نحو العقلائية الصحيحة.
والرواية والحديث أو بالأحرى السنّة الشريفة لها ارتباط وثيق بالثقافة والتشريع الإسلامي ، بل لها ارتباط بجميع العلوم الإسلامية ؛ لأنّها الحجر الأساس في هندسة الثقافة الإلهية وصياغة واقعها الأصل .
فمكانة السنّة الشريفة وبمعنى أدقّ النصّ التشريعي يحتلّ مكانا محوريا في التشريع الإسلامي ، إذ إنّه أحد محوري تجلية النصّ الشرعي ، وله التأثير العميق في الواقع الشرعي سواء تأثيره في التوجيه العام للنصّ أو تأثيره على المكوّنات الفكريّة للنصّ أو تأثيره في الخطاب الإعلامي للنصّ. ۱
وفي هذا المجال سعى الشريف المرتضى قدس سره في بحوثه أن يضع منهجية للنصّ الإسلامي وخصوصا بحوثه الروائية والحديثية إلى صبغ الواقع التشريعي بالتوجّهات والهموم الّتي صاغها وآمن بها قرابة نصف قرن من الزمان ، وقد أحدثت المناهج الروائية منها بالخصوص انقلابا واضحا وعميقا في البنية الروائية خصوصا ما ذكره في عدم حجّية خبر الواحد . وكان هذا المنهج قد مهّد لصياغة نفسية وعقلية واعية تدرك أهداف النصّ الشرعي على جميع الأصعدة الفكرية.
هكذا أثّرت المنهجية الروائية على النصّ الدّيني في البنية العلمية في الحوزة العلمية عبر القرون وإلى يومنا الحاضر ، دون أن تنعكس عليه التأثيرات سلبيا ، بل
أخذ الجميع بآرائه الفقهية والاُصولية وغيرهما . نعم ، عند التحوّلات العظيمة في علم الاُصول والفقه كانت منهجيته تحدث بعض التغيرات وفقا للواقع ؛ لأنّ كلّ مرحلة زمنية تحتاج إلى نوعية معينة من الفكر والتوجّه العقلائي.
وفي كثير من نصوصه المنهجية ركّز على صفاء النصّ الشرعي وظهوره ، وأسس منهجية واضحة للنصّ الإلهي يرجع إليها العقل عند الاشتباه والغموض ، فكانت هذه الاُصول المنهجية والعقلية بمثابة السدود المنيعة الّتي تحافظ على النصّ .
والنصّ الإلهي والشرعي عند الشريف المرتضى قدس سره لم يتأثّر بتأثّر الزمان ومرور العصور ؛ لأنّ خطاب النصّ ـ عنده ـ يشمل الواقع والعصور بجميع مراحله .والشارع المقدّس خاطب عامّة الناس على جميع طبقاتهم وفي جميع العصور ، فلابدَّ من الأخذ بظاهر النصّ في كلّ زمان خصوصا في القرون الاُولى .
نعم ، بعض الاُمور المبهمة أصابت النصّ والخطاب الشرعي وأخرجته عن حالته التنزيلية ، كما إذا ذكر القَيد ولم يذكر المُقيّد أو ذكر المطلق ولم يذكر المقيد ، وما شابه هذه الاُمور . وواجه الباحث في النصّ الشرعي صعوبات وعقبات كثيرة تعترضه فلابدَّ أن يحيط بمناهج عقلية وغيرها كي يدرك ما يريد أن يقوله النصّ الشرعي.

1. المصدر السابق : ص ۹ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    سایر پدیدآورندگان :
    وسام الخطاوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3240
صفحه از 358
پرینت  ارسال به