المداخلة الثانية
يقول الشريف المرتضى قدس سره: «وأمّا الأخبار المدعاة فنحو ما يروونه عنه صلى الله عليه و آله من قوله: «لا تجتمع اُمتي على خطأ » ، وهذا خبر ينقله الآحاد ، وليس بموجب للعلم ولا قامت به الحجّة ، فكيف يعتمد في هذا الأصل الكثير على مثله ؟ !
وإنّما يرجعون في تخصيصه إلى إجماع الصحابة عليه وعملهم به، وأنّهم له يردّوه ، وأنّ عادتهم جرت بالتشكيك فيما لا يعرفونه». ۱
المداخلة الثالثة
يقول الشريف المرتضى قدس سره: «ومن العجائب أن يكون مثل هذا الخبر الّذي يتضمّن النصّ بالخلافة ، وكلّ فضيلة غريبة موجودة في الكتب للمخالفين ، وفيما يصحونه من روايتهم ، ويصفونه من سيرتهم ، ولا يتبعونه ، لكن القوم رووا ما سمعوا ، وادعوا كتبهم ما حفظوا ، ونقلوا ولم يتخيّروا ، ويتبيّنوا ما وافق مذهبهم دون ما خالفهم ، وهكذا يفعل المسترسل المستسلم للحقّ». ۲
وأنّ هناك بعض المداخلات الجزئية أعرضنا عنها ، واكتفينا بهذه الثلاثة ، وهي وإن كانت جزئية ، ولكنها تحتوي مضمون كلّ منها على ذكر منهجية في فكر الشريف المرتضى قدس سره.
حجّية الخبر الّذي قامت الحجّة به على أصله
من الأدلّة على صحّة الخبر : هو ما كان موردا لقبول الاُمة له ، بل يمكن أن نقول: إنّ عدم اختلاف الاُمة في تأويله وتفسيره هو أحد الأدلّة على صحّته ، فتسالم الجميع
على خبر هو نوع توثيق له ، وبعبارة الشريف المرتضى قدس سره: « وهذا يدلّ على أنّ الحجّة قامت به في أصله ».
وأحد هذه الأخبار هو تواتر حديث الثقلين ، فقد اُحصيت طرقه فبلغت أكثر من عشرين صحابيا ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض »، وهو يدلّ على إمامتهم وعصمتهم عليهم السلام ، وكذلك على عمادهم الإمام علي عليه السلام ضمنا .
وهذا الحديث خصب من ناحية المنهج ،ومن حيث معطياته الأخبارية والروائية .
يقول الشريف المرتضى قدس سره: « إنّ هذا الخبر دالّ على ثبوت إمامة الإمام علي عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله بلا فصل بالنّص .
ودالّ على أنّه لابدَّ في كلّ عصر في جملة أهل البيت عليهم السلام من حجّة معصوم مأمون يقطع على صحّة قوله.
وتلقته الاُمة بالقبول ، ولم يخالف أحد في صحّته ، وهو يدلّ على أنّ الحجّة قامت به في أصله ، وأنّ الشكّ مرتفع عنه». ۳
وهذا الكلام الأخير من الشريف المرتضى قدس سره يستحقّ الإمعان ؛ ولأنّ المتعارف عليه بين علماء الاُمة أنّه إذا ورد عليهم خبر مشكوك في صحّته أن يقدّموا الكلام في أصله ، ثمّ يشرعوا في تأويله .
وهذا الخبر الّذي نقلناه عن النبيّ صلى الله عليه و آله عدلوا عن هذه الطريقة فيه ، فدلّ على سلامة أصله .
فنحن نواجه هذا الاستدلال بهذه الصورة على سلامة الخبر ، وهي بمثابه منهج معرفي في صحّة الخبر وسقمه طرحه الشريف المرتضى قدس سره في بحثه هذا، وخالف فيه طرقه السابقة الّتي أكّد فيها على تواتر الخبر بين المحدثين وما شابهها .