307
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
306

الحقائق الشيعيّة ونزاهتها من الغلو

تراثنا الإمامي الشيعي وقع تحت ظلم الأقلام المستأجرة ، وقد اُطلقت التهم واحدة تلو الاُخرى على الحقائق المسلّمة ، وخبط بينها وبين عقائد أهل الغلو والمتنصلين على المذهب ، وأبرز ما ابتلينا به هو عقائد الغلاة ، والّذين حرّفوا الحقائق ، وذهبوا المذهب البعيد عن الحقائق العقليّة.
وهذه التهم قد وجهت لمذهب الشيعة حتّى من عظماء المذاهب الاُخرى ـ كما يأتي عن أبي علي مثلاً ـ ولم يرعوا أي حرمة للحقائق ومقدار صحّتها ، ويقف
الشريف المرتضى قدس سرهأمام هذه التهم ، حتّى أنّه يواجه القاضي عبدالجبّارمجابهة شديدة ، ويقول في صدر كلامه : «فممّا كنّا نظن أنّ مثل صاحب الكتاب يتنزّه عن ذكره . . . ؛ لأنّا لانعرف عاقلاً يحتجّ عليه وله».
بل يعتبر هذه الاُمور من الغلاة ماهي إلاّ كفر وزندقة ، والّذي دعا الشريف المرتضى قدس سره أنّ يعقد لهذه البحوث فروعا هو ما قاله أبو علي من ضرب عمر بأنّه لا أصل له حتّى قال: «وهل هذه الرواية إلاّ كروايتهم عن جعفر في أخبار لهم أنّ علي بن أبي طالب هو إسرافيل ، والحسن ميكائيل ، والحسين جبرئيل ، وفاطمة ملك الموت ، وآمنة اُمّ النبيّ ليلة القدر ، فإن صدقوا ذلك صدقوا هذا أيضا». ۱
هكذا اتّهم أبو علي الشيعة في معتقداتهم وآرائهم ، وحرّف عليهم ، ونسب إليهم ما هم أبرياء منه، ولكن الشريف المرتضى قدس سره يقف أمامه ، ويعقد له فرعا لمواجتهه ، فيقول : « فأمّا قوله: إنّ هذه الرواية كروايتهم أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو إسرافيل ، وأنّ الحسن هو ميكائيل إلى آخر كلامه . فممّا كنّا نظنّ أنّ مثل صاحب الكتاب ينتزّه عن ذكره، والتشاغل بالاحتجاج به ؛ لأنّا لا نعرف عاقلاً يحتجّ عليه وله، ولا يذهب إلى ما حكاه، ومن ينتسب إلى التشيع رجلان مقتصد وغالٍ ، فالمقتصد معلوم نزاهته عن مثل هذا القول، والغالي لم يرض إلاّ بالإلهية والربوبيّة، ومن قصر منهم ذهب إلى النبوّة، فهذه الحكاية خارجة عن مذهب المقتصد، والغالي قد كان يجب لمّا أودعها كتابه محتجّا بها أن يذكر قائلها، والذاهب إليها بعينها، والراوي لها باسمه، والكتاب الّذي نقلها منه إن كان من كتاب.
وبعد فلو كانت هذه الحكاية صحيحة، وقد ذهب إليها ذاهب لكان من جملة مذاهب الغلاة الّذين نبرأ إلى اللّه تعالى منهم، ولا نعدّهم شيعة ولا مسلمين، فكيف تجري هذه الرواية مجرى ما حكاه عنّا ؟ !
ثمّ يقال له: ألست تعلم أنّ هذا المذهب يذهب إليه أصحاب الحلول، والعقل دالّ على بطلان قولهم؟ فهل العقل دالّ على استحالة ما روي من ضرب فاطمة عليهاالسلام .
فإن قال : هما سيّان، قيل له: فبيّن استحالة ذلك في العقل ، كما بيّنت استحالة الحلول، وقد ثبت مرادك، ومعلوم عجزك عن ذلك.
وإن قال: العقل لا يحيل ما رويتموه ، وإنّما يعلم فساده من جهة اُخرى .
قيل له:فلم جمعت بين الروايتين ، وشبهت بين الأمرين ، وهما مختلفان متباينان؟
وبعد، فكما غلا قوم في أمير المؤمنين عليه السلام هذا الضرب من الغلو ، فقد غلا آخرون فيه بالعكس من هذا الغلو ، فذهبوا إلى ما تقشعرّ من ذكره الجلود، وكذلك قد غلا قوم ممّن لايرتضي صاحب الكتاب طريقته في أبي بكر وعمر وعثمان، وأخرجهم غلوّهم إلى التفضيل لهم على سائر الملائكة، ورووا روايات معروفة تجري في الشناعة مجرى ما ذكره عن أصحاب الحلول، فلو عارضه معارض ، فقال له: ما روايتكم في عليّ ما تروونه إلاّ كرواية من روى كيت وكيت ، وذكر ما ترويه الشراة، وتدين به الخوارج، وما روايتكم في أبي بكر وعمر وعثمان ما تروونه من التفضيل والتعظيم إلاّ كمن روى كذا وكذا، وذكر طرفا ممّا يروونه الغلاة ما كان يكون جوابه، وعلى أيّ شيء يكون معتمده؟! فإنّه لاتنفصل عن ذلك إلاّ بمثل ما انفصلنا عنه ». ۲

1. الشافي في الإمامة : ج ۴ ص ۱۱۱.

2. الشافي في الإمامة : ج ۴ ص ۱۱۷ ـ ۱۱۸ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    سایر پدیدآورندگان :
    وسام الخطاوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3373
صفحه از 358
پرینت  ارسال به