الدقّة التاريخيّة في واقع الأخبار العقائديّة
التمويه الّذي حصل لمجموعة من الأخبار أخرجها عن واقعها الأصيل ، بحيث أسيى ء الفهم منها ، فهناك عدّة أخبار صحيحة ، ولكن قد قطع عنها بعض الفصول ، أو اُضيف إليها بعض المقاطع ، أو لم تنقل بحذافيرها ، وهذا ما شكّل عدم شفافية في واقعها .
حتّى أنّ الشريف المرتضى قدس سره ذكر قسما كبيرا منها ، وحلّلها تحليلاً دقيقا تاريخيا ، كما في الأخبار الّتي أضافها أبو علي داعما خلافة الشيخين ، وهو ماروي عن أبي جحيفة ومحمّد بن علي وعبد خير وسويد بن غفلة وأبي حكيمة وغيرهم ، وقد قيل : إنّهم أربعة عشر رجلاً قالوا : إنّ عليا عليه السلام قال في خطبة: « خير هذه الاُمة بعد نبيها أبو بكر وعمر »، وفي بعض الأخبار: «ولو شاء أن اُسمي الثالث لفعلت». ۱
وفي هذا المجال نرى دقّة الشريف المرتضى قدس سره في ردّ الخبر ردّا تحقيقيا يدلّ على إحاطته بمطبّات الأخبار ، وسوف نشرح الردّ بصورة علمية ؛ لنرى مقدار جلالة الشريف المرتضى قدس سره في ذلك :
يعتقد الشريف المرتضى قدس سره أنّ الخبر المنقول صحيح ، وقد قاله أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد ذكره كلّ من الرواة الّذين أشار إليهم أبو علي ، ولكن خلال نقل الخبر في العصور المتأخّرة وبالتحديد زمن بني اُمية استغلّ بعض الرواة ـ نتيجةً لاتجاهم العقائدي ـ جرف الخبر ، بحيث أدّى إلى جعله منقبة للشيخين بعد أن كان من القوادح بهما ؛ فإنّ أصل الخبر كان بهذه الصورة : أنّ هؤلاء الرواة المذكورين سمعوا الإمام علي عليه السلام يقول على المنبر: « ما هذا الكذب الّذي يقولون ، ألا إن خير هذه الاُمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ؟ ! » فكان كلامه عليه السلام إنكار على من يعتقد ذلك ، وتشنيع على المتفوّه بذلك .
ولكن كلّ من الرواة أدناه حرّفوا الخبر ، وأسقطوا مقدّمة الخبر ، وهم:
۱ . جعفر بن عبدالرحمن البلخي ، الّذي كان عثمانيا.
۲ . أبو الخباب الكلبي كذلك.
۳ . الشعبي ورأيه في الانحراف عن أهل البيت عليهم السلام معروف. ۲
هؤلاء استطاعوا أن يخدموا الرأي العام ، وأنّ المسبب الرئيسي في هذه المغالطة هو الشعبي ، حيث إنّ تحريف الخبر وقع في زمانه ، وإن كان كلّ من هؤلاء خدش فيهم علماء الرجال ، ومن أراد ذلك فليراجع ليعرف حقيقة الأمر.
وعلى كلّ حال فقد أدّى إسقاط مقدّمة الخبر لقلب الخبر إلى فضيلة بعد ما كان قدحا ، وهذه لعبة كبيرة كان عمّال السلطان يلعبها في حرف الأخبار عن واقعها ؛ للحصول على شيء من حطام الدنيا .
ثمّ ينقل الشريف المرتضى قدس سره عدّة توجيهات للخبر من أصحابه الإمامية ، وعدّة إشكالات على الخبر ، ولكنه يتركها على حالها ، وفي مطاف ردّ هذا الخبر ينقض الشريف المرتضى قدس سره على الخبر بصورة استهزائية قائلاً : «ومن ظريف الاُمور : أن يستشهد القوم بهذا الخبر على التفضيل ، وهم يروون أنّ أبا بكر قال: «وليتكم ولست بخيركم» فصرّح باللفظ الخاصّ بأنّه ليس بالأفضل ، ثمّ يتأوّلون ذلك على أنّه خرج مخرج التخاشع والتخاضع فألاّ استعملوا هذا الضرب من التأويل فيما يدعونه عن قوله: « ألا إنّ خير هذه الاُمة ؟ ! » ، ولكن الإنصاف عندهم مفقود». ۳