283
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المطارحة الثالثة

يقول الشريف المرتضى قدس سره: « اجتمع في خبر الغدير الطريقان (الضربان) معاً مع تفرقهما في غيره من الأخبار ، على أنّ ما اعتبر في نقله من أخبار الشريعة اتصال الأسانيد لو فتشت جميعه لم تجد رواته إلاّ الآحاد ، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة ، المتّصلة الجمع الكثير ، فمزيته ظاهرة ». ۱
هذه المطارحات الثلاثة في هذا الخبر الشريف جعلته ذا أهمية بالغة في المعرفة العقائدية والشيعية منها بالخصوص ، حتّى صرّح الشريف المرتضى قدس سرهبأنّه لم يعلم أنّ فرقة من فرق الاُمة ردّت هذا الخبر ، واعتقدت بطلانه ، وممّا يدلّ على صحّة الخبر إطباق علماء الاُمة على قبوله. ۲
ويلفت الشريف المرتضى قدس سره إلى نكتة في غاية الأهمية ، وتعتبر الأساس في بحثه من ناحية تواتر الأخبار وهي : «إنّ الأخبار قد تكون أخبار آحاد على التفصيل ، بحيث إذا نظر إلى كلّ منها يرى أنّه خبر واحد ، لكن معانيها قد رواه عدد كثير وجم غفير ، فصار المعنى متواتراً به ، وإن كان اللفظ والتفصيل يرجع إلى الآحاد». ۳
ويصرّح الشريف المرتضى قدس سره في موضع آخر قائلاً ـ وهو أنّ بيعة أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر وغيره لم تكن عن رضا واختيار ـ : « وقد روى هذا المعنى من طرق مختلفة ، وبألفاظ متقاربة المعنى ، وإن اختلفت ألفاظها، وأنّه عليه السلام كان يقول في ذلك اليوم ـ لما أكره على البيعة وحذّر من التقاعد عنها ـ : «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الأَْعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ
الظَّــلِمِينَ» ۴
، ويردد ذلك ويكرره، وذكر أكثر ماروى في هذا المعنى يطول فضلاً عن ذكر جميعه، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على أنّ البيعة لم تكن عن رضا واختيار .
فإن قيل : كلّما رويتموه في هذا المعنى أخبار آحاد لا يوجب علماً .
قلنا : كلّ خبر ممّا ذكرناه ـ وإن كان من طريق الآحاد ـ فإنّ معناه الّذي تضمّنه متواتر، والمعوّل على المعنى دون اللفظ، ومن استقرى الأخبار وجد معنى إكراهه على البيعة ؛ فإنّه دخل فيها مستدفعاً للشر ، وخوفاً من نفور الناس، وتفرّق الكلمة، وقد وردت به أخبار كثيرة من طرق مختلفة تخرج عن حدّ الآحاد إلى التواتر.
وبعد، فأدون منزلة هذه الأخبار إذا كانت آحاد أن تقتضي الظن وتمنع من القطع، على أنّه لم يكن هناك خوف ولا إكراه، وإذا كنّا لا نعلم أنّ البيعة وقعت عن رضا واختيار مع التجويز لأن يكون هناك أسباب إكراه فأولى ألاّ نقطع على الرضا والاختيار مع الظن لأسباب الإكراه والخوف. ۵
وكذلك من الأخبار المتواترة في المسائل الاعتقادية ما نقله القاضي عبدالجبّارالمعتزلي على إمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : حديث الوصية ، وقد أرسله القاضي إرسال المسلمات ، وقد أخرجه كثير من حفظة الآثار النبويّة ، وجهابذة الحديث ، وهو : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : «أنت أخي ، ووصيي ، وخليفتي من بعدي ، وقاضي ديني» .
وقد أورد القاضي عبدالجبّار جملة إشكالات على هذا الخبر بعضها سندية ، والأخرى دلالية ، أمّا السندية ، فهي:
إنّ شيوخ القاضي عبدالجبّار من زعماء المعتزلة يجرون هذا الخبر مجرى أخبار الآحاد. ۶
ولكن الشريف المرتضى قدس سره يعتبر هذا الخبر من المتواترات ، وأرده مورد الحجّة ، وأنّه أحد ألفاظ النصّ الّذي يلقّبه علماء الإمامية بالجلي.
يقول الشريف المرتضى قدس سره : « لا نعتبر قول شيوخهم واعتقادهم في الخبر أنّه جار مجرى الآحاد ؛ لأنّ ذلك إذا لم يكن مستنداً إلى حجّة لم يكن قادحاً » .
ثمّ يقول: « وهذا الخبر ممّا قد رواه العامّة والخاصّة ولم يتفرّد به الشيعة ، غير إنّا لا ندفع أن يكون تواتر النقل به ، ووروده مورد الحجّة ، وما يقتضي العلم مما يختصّ طرق الشيعة ». ۷
بهذه الصورة من السجال العقائدي السندي ـ وما يخصّ منه التواتر ـ بين العلمين يتّضح مفهوم « الجلي » من الأخبار ، والظاهر من القاضي عبدالجبّار أنّه يرتضي السند بصورة أولية حيث عبر «واعلم أنّ عند شيوخنا . . . . ۸
ونشهد معطيات التواتر في قضية اُخرى عقائدية ، وهي : الأخبار المتفرّقة الّتي دلّت على ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، منها:
۱ . إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تقدّم إلى الصحابة بأن يسلموا على علي عليه السلام بإمارة المؤمنين.
۲ . إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال للإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجّلين». وغيرها من الأخبار الّتي هي ظاهرة في الإمامة ، صريحة في النصّ الجلي .
وقد نقل القاضي عبدالجبّار عن شيخه أبي علي قوله: إنّ هذه الأخبار لم تثبت من وجه يوجب العلم... وأنّ ادّعاءهم . . .أنّها ثابتة بالتواتر لا يصحّ . . . . ۹
وهذا الكلام من الشيخ أبي علي قد أثار حفيظة الشريف المرتضى قدس سره ، وقد
خصّص له بحثاً مفصّلاً وعميقاً ، وبه تتفتح منهجية الشريف المرتضى قدس سره ، حيث قال: «إنّ الخبر الّذي يتضمّن الأمر بالتسليم على أمير المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين تتواتر الشيعة بنقله ، وأنّه أحد ألفاظ النصّ الجلي الّذي دللنا على حصول شرائط التواتر فيه . . . ، وإن كانت هذه الأخبار ـ مع أنّ الشيعة تنقلها ـ قد نقلها أكثر رواة العامّة من طرق مختلفة وصححوها ، ولم نجد أحداً من رواة العامّة ولا علمائهم طعن فيها ولا دفعها ، وإن كان خبر التسليم بإمرة المؤمنين نقل في روايتهم ولا يجري في التظاهر بينهم مجرى باقي الأخبار الّتي ذكرناها ، وإن كان الكلّ من طريق العامّة لا يبلغ التواتر ، بل يجري مجرى الآحاد ، ولا معتبر بإدعاء أبي علي : أنّ للتواتر شروط لم تحصل في هذه الأخبار ؛ لأنّا قد بيّنا فيما تقدّم من هذا الكتاب أنّ الشروط المطلوبة في التواتر حاصلة في ذلك». ۱۰

1. المصدر السابق : ص ۲۶۲.

2.راجع : القسم الثالث / أحاديث العصمة / عليّ مع الحقّ .

3.راجع : القسم الثالث / أحاديث العصمة / عليّ مع القرآن .

4. المصدر السابق : ص ۲۶۲.

5. المصدر السابق : ج ۳ ص ۱۹۹ ـ ۲۰۰ .

6. الأعراف : ۱۵۰ .

7. الشافي في الإمامة : ج ۳ ص ۲۴۴ ـ ۲۴۵.

8. انظر : المصدر السابق : ص ۷۷.

9. الشافي في الإمامة : ج ۳ ص ۷۹.

10. انظر : المصدر السابق : ص ۷۷ .

11. المصدر السابق : ص ۹۰ .

12. المصدر السابق : ص ۹۶ ـ ۹۷.


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
282

المطارحة الاُولى

إنّ الشيعة قاطبة تنقل هذا الخبر وتتواتر بنقله ، وقد رواة أكثر رواة أصحاب الحديث بالأسانيد المتّصلة وأرّخه جميع أصحاب السير وتلقوه عن أسلافهم خلفاً عن سلف نقلاً بغير إسناد مخصوص ، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة ، وقد أورده مصنّفو الحديث في جملة الصحيح ، فقد استبدّ هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار ـ على حدّ تعبير الشريف المرتضى قدس سره. ۱

المطارحة الثانية

يقول الشريف المرتضى قدس سره : « إنّ الأخبار على ضربين: أحدهما: لا يعتبر في نقله الأسانيد المتّصلة،كالخبر عن وقعة بدر وحنين والجمل وصفين وماجرى مجرى ذلك من الاُمور الظاهرة الّتي نقلها الناس قرناً بعد قرن بغير إسناد معين وطريق مخصوص.
والضرب الآخر: يعتبر فيه اتصال الأسانيد كأكثر أخبار الشريعة ». ۲

1. الشافي في الإمامة : ج ۲ ص ۲۶۱.

2. المصدر السابق : ص ۲۶۱ ـ ۲۶۲.

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    سایر پدیدآورندگان :
    وسام الخطاوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3265
صفحه از 358
پرینت  ارسال به