شغفه بالعلم ، مدرسته العلميّة ، خزانة كتبـه
كان الشريف المرتضى رحمه الله مشغوفا بالعلم ، مصرفا إليه بين دراسة وتدريس ، محبّا لتلاميذه وملازميه ، حتّى أنّه كان يجري عليهم الجرايات الشهرية، وقد مرّ ذكر ذلك .
وقد اتّخذ من داره الواسعة مدرسة عظيمة تضمّ بين جدرانها ثُلة من طلاب الفقه والكلام والتفسير واللغة والشعر والعلوم الاُخرى كعلم الفلك والحساب وغيره ، حتّى سميت أو سمّاها : «دار العلم» ، وأعدّ له مجلسا للمناظرات فيها.
غير إنّ الّذي هو جدير بالملاحظة والاعتبار ، أنّ مجلس الشريف المرتضى قدس سرهأو مدرسته العلمية ـ بتعبير أصح ـ كانت جامعة إنسانية تلمّ شتات كثير من طلاب العلم ومريديه من مختلف المذاهب والنحل، دون تفرقة بين ملّة وملّة ، أو مذهب ومذهب .
وقد مرّت عليك قصة اليهودي الّذي درس عليه علم النجوم ـ أعني الفلك ـ ، كما لم تخف عليك أيضا اتصالاته الوثيقة بأبي إسحاق الصابئ الكاتب المشهور، وللسيّد المرتضى قدس سره في رثائه قصيدة رائعة تعدّ من غرر قصائده ومطلعها:
ما كان يومك يا أبا إسحاقإلاّ وداعي للمنى وفراقي
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على رحابة صدر المرتضى قدس سره وسعة أفقه
وشريف نظرته الإنسانية ، الّتي تعبر عن قلبه الشفيق الرحيم العطوف على هذه النفوس البشرية المعذبة بويلات العصبية الرعناء ، والطائفية البغضية، والعنعنات الباطلة، المنبعثة من الجهل المطبق، وضيق الاُفق المحدود، فالشريف المرتضى قدس سرهكان له اُسوة حسنة في جدّه الرسول الأعظم وأهل بيته الكرام صلى الله عليه و آله وسلموأصحابه الأجلّة، المرددين قول ربّ الخلق أجمعين: «يَـأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـكُم مِّن ذَكَرٍ وَ أُنثَى وَ جَعَلْنَـكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَآلـءِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَـلـكُمْ» . ۱
أمّا شغف الشريف المرتضى قدس سره بجمع الكتب وولعه باقتنائها فيكفينا أن نذكر أنّ خزانته ضمّت ثمانين ألف مجلّد من مصنفاته ومحفوظاته ومقروءاته، على ما حصره وأحصاه صديقه أبو القاسم التنوخي. ۲
وقد قوّمت هذه الكتب بثلاثين ألف دينار على ماذكره الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر ، هذا بعد أن أهدى الشريف المرتضى قدس سره من هذه الكتب إلى الرؤساء والوزراء شطرا .