الموضع الأوّل
ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «كنت إذا حدّثني أحد عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحديث استحلفته باللّه أنّه سمعه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإن حلف صدقته وإلاّ فلا، وحدّثني أبو بكر وصدقني » . ۱
وهذا الحديث دعا النظّام لأن يتأمّل فيه ويورد عليه بقضية منطقية لا تخلو من أمرين :
إنّه لا يخلو المحدث عنده عليه السلام من أن يكون ثقة أو متّهما؟
فإن كان ثقة فما معنى الاستحلاف؟!
وإن كان متّهما فكيف يتحقّق قول المتّهم بيمينه؟!
وإذا جاز أن يحدث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالباطل جاز أن يحلف على ذلك بالباطل. ۲
ويتصدّى الشريف المرتضى قدس سره لبحث سند هذا الخبر ، ثمّ التعريج على دلالته.
أمّا البحث السندي ، فيقول الشريف المرتضى قدس سره في ذلك : إنّ هذا الخبر ضعيف مدفوع مطعون على إسناده ؛ لأجل أنّ جميع طرقه ضعيفة مطعون فيها :
أ ـ لأنّ أحد طرقه عن عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن الإمام علي عليه السلام .
ومن المعلوم أنّ أسماء بن الحكم مجهول عند أهل الرواية لا يعرفونه ، ولا روي عنه شيء من الأحاديث غير هذا الخبر الواحد. ۳
ب ـ وطريقه الثاني عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه ، عن جدّه أبي سعيد، رواه هشام بن عمّار [أو عمارة ـ خ ل] والزبير بن بكّار ، عن سعد بن
سعيد بن أبي سعيد ، عن أخيه عبداللّه بن سعيد ، عن جدّه ، عن الإمام علي عليه السلام .
ومن المعلوم أنّ الزبير قال عن سعد بن سعيد: إنّه ما رؤي أخبث منه.
وقال أبو عبدالرحمن الشيباني: عبداللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري متروك الحديث.
وقال يحيى بن معين: إنّه ضعيف الحديث.
ج ـ وطريقه الثالث: ما رووه عن أبي المغيرة المخزومي، عن ابن نافع، عن سليمان بن يزيد، عن المقبري عن الإمام علي عليه السلام .
ومن المعلوم أنّ أبا مغيرة المخزومي مجهول لايعرفه أكثر أهل الحديث.
د ـ وطريقه الرابع: ما رووه عن عطا بن مسلم، عن عمارة، عن محرز، عن أبي هريرة ، عن الإمام علي عليه السلام .
ومن المعلوم أنّ محرزا لم يسمع من أمير المؤمنين علي عليه السلام بل لم يره.
وعمارة هو: عمارة بن جوين أبو هارون العبدي.
وقيل : إنّه متروك الحديث. ۴
بهذا البحث الرجالي العميق في السند يستطيع الشريف المرتضى قدس سره أن يطيح بالخبر ، وهو تفصيل دقيق ينمّ عن اطّلاعه الواسع على مساند الأخبار والرواية.
أمّا البحث الدلالي: نرى الشريف المرتضى قدس سره هنا في هذه الجهة يذكر بعض القرائن الداخلية في متن الدلالة ، ويذكر بعض التهافتات الخارجية ، وهي:
۱ . المعروف والظاهر أنّ الإمام علي عليه السلام : لم يرو عن أحد قط حرفا غير النبيّ صلى الله عليه و آله .
۲ . وينقل الشريف المرتضى قدس سره تأويلاً عن الزبير بن بكّار ، وهو أنّ أبا بكر وعمرإذا جاء حديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله لا يعرفانه لم يقبلاه حتّى يأتي مع الّذي ذكره آخر ،
فيقوما مقام الشاهد ، وكذلك أقام الإمام علي عليه السلام اليمين مع دعوى المحدث مقام الشاهد مع اليمين في الحقوق ، كما أقاما الرواية في طلب شاهدين عليهما مقام باقي الحقوق.
ويردّ الشريف المرتضى قدس سره على النظّام تهافته المنطقي بأنّه يمكن أن يكون عرض اليمين على الراوي ؛ لأجل أن يتهيب من الكذب والافتراء ؛ فإنّ اليمين تذكره باللّه تعالى وتخوفه من عقابه ، سواء كان من تعرض عليه اليمين ثقة أو ظنينا، وقد ألحق الشريف المرتضى قدس سرهبما يدعم هذا الاستظهار. ۵
1. مسند أحمد بن حنبل : ج ۱ ص ۲ .
2. تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام : ص ۲۳۹ .
3. التاريخ الكبير : ج ۲ ص ۵۴ ح ۱۶۶۳ ، ميزان الاعتدال : ج ۱ ص ۲۵۵ .
4. تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام : ص ۲۳۹ ـ ۲۴۰ .
5. المصدر السابق : ص ۲۴۰ ـ ۲۴۲.