منهج قياس الأولوية في الأحكام
التقية أمر تسالمت عليها الإمامية في مسيرتها الرسالية ، وقد استفادت الشيعة كثيرا من واقع التقية حتّى جعلها الإمام الصادق عليه السلام من دينه ودين آبائه عليهم السلام . وقد كانت التقية المحور الأساسي في حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وليس ذلك منه إلاّ حفاظا على الدّين الحنيف والقيم السماوية المقدّسة.
ولا فرق بين واقع التقية في كبار الاُمور وصغارها ، فهي المنهاج المستقيم لجميع الخطوات ، وبهذه الأبعاد ينطلق الشريف المرتضى قدس سره: معتقدا أنّه إذا صحّت التقية في إحراز الدّين الحنيف فالمسائل الصغيرة تصبح التقية فيها أولى ، كما في قضية نكاح أمير المؤمنين عليه السلام ابنته اُمّ كلثوم عليهاالسلاملعمر بن الخطاب.
فقد سئل الشريف المرتضى قدس سره عن موجب الفقه المجيز لأمير المؤمنين عليه السلام تزويج ابنته أم كلثوم عليهاالسلام.
وقالوا : أوضحي النساء من طريق يوجبه الدّين ويتجه ولا يمنعه ، وهو مستعمل التقية ومظهر المجاملة أن ينتهي إلى الحد الّذي لا مزيد عليه في الخلطة ، وهو التزويج.
قال الشريف المرتضى قدس سره قائلاً : « اعلم أنّا قد بيّنا في كتابنا الشافي في الجواب عن هذه المسألة، وأزلنا الشبهة المعترضة بها ، وأفردنا كلاما استقصيناه واستوفيناه في نكاح اُم كلثوم، ونكاح بنته صلى الله عليه و آله من عثمان بن عفّان، ونكاحه هو أيضا عائشة وحفصة، وشرحنا ذلك فبسّطناه.
والّذي يجب أن يعتمد في نكاح اُم كلثوم، أنّ هذا النكاح لم يكن عن اختيار ولا إيثار، ولكن بعد مراجعة ومدافعة كادت تفضي إلى المخارجة والمجاهرة.
فإنّه روي أنّ عمر بن الخطاب استدعى العبّاس بن عبدالمطلب، فقال له: مالي ، أبي بأس؟
فقال له: ما يجيب أن يقال لمثله في الجواب عن هذا الكلام.
فقال له: خطبت إلى ابن أخيك علي بنته أم كلثوم، فدافعني ومانعني وأنف من مصاهرتي، واللّه لأعورن زمزم، ولأهدمن السقاية، ولا تركت لكم يا بني هاشم منقبة إلاّ وهدمتها، ولأقيمن عليه شهودا يشهدون عيله بالسرق ، وأحكم بقطعه.
فمضى العبّاس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره بما جرى ، وخوّفه من المكاشفة الّتي كان عليه السلام يتحاماها ويفتديها بركوب كلّ صعب وذلول، فلمّا رأى ثقل ذلك عليه، قال له العبّاس : رد أمرها إليّ حتّى أعمل أنا ما أراه، ففعل عليه ذلك ، وعقد عليها العبّاس.
وهذا إكراه يحلّ له كلّ محرم ، ويزول معه كلّ اختيار .
ويشهد بصحّته ما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله وقد سئل عن هذا العقد؟ فقال عليه السلام : « ذلك فرج غصبنا عليه ».
وما العجب من أن تبيح التقية والإكراه والخوف من الفتنة في الدّين ووقوع الخلاف بين المسلمين لمَن هو الإمام بعد الرسول صلى الله عليه و آله والمستخلف على اُمته أن يمسك عن هذا الأمر، ويخرج نفسه منه، ويظهر البيعة لغيره، ويتصرّف بين أمره ونهيه، وينفذ عليه أحكام، ويدخل في الشورى الّتي هي بدعة وضلال وظلم ومحال، ومن أن يستبيح لأجل هذه الاُمور المذكورة على من لو ملك اختياره لما عقد عليه.
وإنّما يتعجب من ذلك من لايفكر في الاُمور ولا يتأمّلها ولا يتدبّرها، دليل على جواز العقد، واقتضى الحال له مثل أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه عليه السلام لا يفعل قبيحا ، ولا يرتكب مأثما.
وقد تبيح الضرورة أكل الميتة وشرب الخمر، فما العجب ممّا هو دونها؟
فأمّا من جحد من غفلة أصحابنا وقوع هذا العقد ونقل هذا البيت، وأنّها ولدت أولادا من عمر معلوم مشهور ، ولا يجوز أن يدفعه إلاّ جاهل أو معاند.
وما الحاجة بنا إلى دفع الضرورات والمشاهدات في أمر له مخرج من الدّين؟ ! ». ۱