تقييم طريقة العمل في الأخبار العقائدية
الشريف المرتضى قدس سره دقيق النظرة في الأخبار ، ويعرف مطبّات البحوث فيها ، فهو
يقول: «اعلم أنّه لا يجب الإقرار بما تضمّنه الروايات ؛ فإنّ الحديث المروي في كتب الشيعة وكتب جميع مخالفينا يتضمّن ضروب الخطأ وصنوف الباطل :
۱ . من محال لا يجوز أن يتصوّر.
۲ . ومن باطل قد دلّ الدليل على بطلانه وفساده ، كالتشبيه والجبر والرؤية والقول بالصفات القديمة ، ومن هذا الّذي يحصي أو يحصر ما في الأحاديث من الأباطيل. ولهذا وجب :
أ ـ نقد الحديث بعرضه على العقول.
ب ـ فإذا سلم عليها جوّز أن يكون حقّا والمخبر به صادقا.
وليس كلّ خبر جاز أن يكون حقّا وكان واردا من طريق الآحاد يقطع على أنّ المخبر به صادقا.
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره: «ثمّ ما ظاهره من الأخبار مخالف للحقّ ومجانب للصحيح على ضربين:
۱ . فضرب يمكن فيه تأويل له مخرج قريب لما يخرج إلى شديد التعسف وبعيد التكلّف ، فيجوز في هذا الضرب أن يكون صادقا، فالمراد به التأويل الّذي خرّجناه.
۲ . فأمّا ما لا مخرج له ولا تأويل إلاّ بتعسف وتكلّف يخرجان عن حدّ الفصاحة ، بل عن حدّ السداد ، فإنّا نقطع على كونه كذبا لاسيّما إذا كان عن نبي أو إمام مقطوع فيهما على غاية السداد والحكمة ، والبعد عن الألغاز والتعمية». ۱
وبعد هذا التقييم المفصّل لمسلك الأخبار العقائدية يأتي الشريف المرتضى قدس سرهبمثال لهذا الضابط الكلّي حول الحديث المروي في كتاب اُصول الكافي ـ كتاب التوحيد منه ـ فيقول : إنّ هشام بن الحكم سأل الصادق عليه السلام عن قول الزنادقة له: أيقدر
ربّك يا هشام على أن يدخل الدنيا في قشر البيضة من غير أن تصغر الدنيا ولا تكبر قشر البيضة ؟ وأنّ الصادق عليه السلام قال له: يا هشام ، اُنظر أمامك وفوقك وتحتك وأخبرني عمّا ترى.
وأنّه قال: أرى سماءً وأرضا وجبالاً وأشجارا وغير ذلك، وأنّه قال له: الّذي قدر أن يجعل هذا كلّه في مقدار العدسة ـ وهو سواد ناظرك ـ قادر على ما ذكرت .
وهذا معنى الخبر وإن اختلف بعض اللفظ. ۲
وكيف يصحّ من الإمام المعصوم تجويز المحال ؟ !
ولا فرق في الاستحالة بين دخول الدنيا في قشر البيضة وهما على ما هما عليه، وبين كون المحل أسود أبيض ساكنا متحرّكا في حال.
وهل يجيء من استحالة الإحاطة بالجسم الكبير من الجسم الصغير مقابلة سواد الناظر لما قابله ، مع اتصال الهواء والشعاع بينه وبينه ؟ !
وأين حكم الإحاطة على ذلك الوجه من حكم المقابلة على هذا الوجه ؟ !
وهل لإزالة معرة هذا الخبر الّذي رواه هذا الرجل في كتابه وجعله من عيون أخباره سبيل بتأويل يعتمد عليه جميل ؟ !
وبعد الضابطة الّتي نقلها عن الشريف المرتضى قدس سره يقول: «وهذا الخبر المذكور بظاهره يقتضي تجويز المحال المعلوم بالضرورات فساده وإن رواه الكليني رحمه الله في كتاب التوحيد ، فكم روى هذا الرجل وغيره من أصحابنا ـ رحمهم اللّه تعالى ـ في كتبهم ما له ظواهر مستحيلة أو باطلة، والأغلب الأرجح أن يكون هذا خبرا موضوعا مدسوسا.
ويمكن فيه تخريج على ضرب من التعسف ، وهو أن يكون الصادق عليه السلام سئل عن هذه المسألة بحضرة قوم من الزنادقة والملحدين للأنبياء ، الّذين لا يفرّقون بين
المقدور والمستحيل ، فأشفق عليه السلام أن يقول : إنّ هذا ليس بمقدور ؛ لأنّه يستحيل، فيقدر الأغبياء أنّه عليه السلام قد عجزه تعالى، ونفي عن قدرته شيئا مقدورا، فأجاب به ، وأراد أنّ اللّه تعالى قادر على ذلك لو كان مقدورا، ونبّه على قدرته على المقدورات بما ذكره من العين، وأنّ الإدراك يحيط بالاُمور الكثيرة، وإلاّ فهو عليه السلام أعلم بأنّ ما أدركه بعيني ليس بمنتقل إليها ولا حاصل فيها، فيجري مجري دخول الدنيا في البيضة.
وكأنّه عليه السلام قال: من جعل عيني على صفة أدرك معها السماء والأرض وما بينهما لابدَّ أن يكون قادرا على كلّ حال مقدورا ، وهو قادر على إدخال الدنيا في البيضة لو كان مقدورا. وهذا أقرب ما يؤل عليه هذا الخبر الخبيث الظاهر. ۳
1. جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة : ص ۴۰۹ ـ ۴۱۰ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الاُولى).
2. رواه في اُصول الكافي : ج ۱ ص ۷۹ ح ۴.
3. جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة : ص ۴۰۸ ـ ۴۱۱ ( رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الاُولى ) .