149
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

عدم العلم بخبر الواحد

يعتبر الشريف المرتضى قدس سره العماد الأكبر في نظرية خبر الواحد ، فقد ادعى الإجماع على عدم العلم بالخبر الواحد ، وإنّما يقتضي غلبة الظن بصدقه إذا كان عدلاً.
وينقل الشريف المرتضى قدس سره ثلاثة أقوال في المقام:
القول الأوّل: إنّ النظّام كان يذهب إلى أنّ العلم يجوز أن يحصل عنده ، وإن لم يجب؛لأنّه اتبع قرائن وأسبابا،وجعل العمل تابعا للعلم،فإذا لم يحصل علم فلا عمل .
القول الثاني: ما نقل عن البعض من أنّ خبر الواحد يوجب العلم الظاهر ، وقسّم العلم إلى قسمين .
القول الثالث: مانقل عن الناس ـ كما عبّر الشريف المرتضى قدس سره ـ قولهم: إنّ كلّ خبر وجب العمل به فلابدَّ من إيجابه العلم ، ويجعل العلم تابعا للعمل. ۱
ورد الشريف المرتضى قدس سره هذه الأقوال بالتفصيل قائلاً : [ أمّا ردّ القول الأوّل ]: «وأقوى ما أبطل به قول النظّام : إنّ الخبر مع الأسباب الّتي يذكرها لو حصل عندها العلم ، كما ادعى لما جاز انكشافه عن باطل . وقد علمنا أنّ الخبر عن موت إنسان بعينه مع حصول الأسباب الّتي يراعيها من البكاء عليه والصراخ وإحضار الجنازة والأكفان ، قد ينكشف عن باطل ، فيقال : إنّه اُغمي عليه، أو لحقته السكتة، أو ما أشبه ذلك ، والعلم لا يجوز انكشافه عن باطل . ويلزم على هذه الطريقة الفاسدة أن يجوز ألاّ يقع العلم بالتواتر لفقد هذه الأسباب، فكنّا نصدّق من خبّرنا بأنّه لا يعلم شيئا بالأخبار بألاّ تكون الأسباب حاصلة . وأمّا إلزام النظام أنّه لو أوجب خبر الواحد العلم في موضع لأوجبه في كلّ موضع، فكان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يستغنى عن علم معجز ، والحاكم متى لم يعلم صدق المدعي ضرورة ، أن يعلم أنّه كاذب ؛ فإنّ ذلك لا يلزمه ؛ لأنّ له أن يقول: من أين لكم أنّ كلّ خبر يجب عنده العلم؟ بل لابدَّ من وجوب ذلك عند أمثاله، ثمّ العلم عند النظام لايجب عند مجرد الخبر، بل عنده وعند أسباب يذكرها، وليس مثل ذلك في خبر مدعي النبوة ولا في الحاكم. ۲
[ أمّا ردّ القول الثاني:] يقول الشريف المرتضى قدس سره: « فأمّا من يقول : إنّه يقتضي العلم الظاهر ، فخلافه في عبارة ؛ لأنّه سمّى غالب الظن علما ». ۳
[أمّا ردّ القول الثالث:] يقول الشريف المرتضى قدس سره: «وأمّا من جعل العلم تابعا للعمل، فقوله باطل ؛ لأنّه عكس الشيء ، والعمل يجب أن يتبع العلم لا أن يتبع العلم العمل، وقد وجب العمل بأخبار كثيرة من غير حصول العلم كالمخوف من سبع في طريق والشهادات وغيرها». ۴
ثمّ يقول الشريف المرتضى قدس سره: «وقد تجاوز قوم من شيوخنا رحمهم الله في إبطال القياس في الشريعة والعمل بأخبار الآحاد، أن قالوا: إنّه مستحيل من طريق العقول العبادة بالقياس في الأحكام، وأحالوا أيضا من طريق العقول العمل بأخبار الآحاد، وعوّلوا على أنّ العمل يجب أن يكون تابعا للعلم، وإذا كان غير متيقّن في القياس ، وأخبار الآحاد لم نجد العبادة بها .
والمذهب الصحيح هو غير هذا، لأنّ العقل لايمنع من العبادة بالقياس والعمل بخبر الواحد، ولو تعبد اللّه تعالى بذلك لساغ ولدخل في باب الصحّة ؛ لأنّ عبادته تعالى بذلك يوجب العلم الّذي لابدَّ أن يكون العمل تابعا له.
فإنّه لا فرق بين أن يقول عليه: قد حرّمت عليكم كذا وكذا فاجتنبوه، وبين أن يقول: إذا أخبركم مخبر له صفة العدالة بتحريمه فحرموه، في صحّة الطريق إلى العلم بتحريمه.
وكذلك لو قال : إذا غلب في ظنكم تشبه بعض الفروع ببعض الاُصول في صفة تقتضي التحريم فحرموه فقد حرمته عليكم، لكان هذا أيضا طريقا إلى العلم بتحريمه وارتفاع الشكّ والتجويز.
وليس متناول العلم هاهنا هو متناول الظن على مايعتقده قوم لايتأمّلون ؛ لأنّ متناول الظن هاهنا هو صدق الراوي إذا كان واحدا ، ومتناول العلم هو تحريم الفعل المخصوص الّذي تضمّنه الخبر ممّا علمناه .
فكذلك في القياس متناول الظن شبه الوضع بالأصل في علّة التحريم، ومتناول العلم كون الفرع محرما». ۵
ويفصّل الشريف المرتضى قدس سره الأدلّة على فساد العمل بأخبار الآحاد في الشريعة قائلاً : « فيما يجب الاعتماد في فساد العمل بأخبار الآحاد في الشريعة قوله تعالى : «وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ» ۶ ، وقوله تعالى : «وَ أَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» ۷ ، وكلّ آية تنهى فيها عن الفعل من غير علم، وهي كثيرة.
ولمّا كان بخبر الواحد في الشريعة عاملاً به الظن من غير علم لصدق الراوي يوجب أن يكون داخلاً تحت النهي .
فإن قالوا : في العامل بخبر الواحد علم ، وهذا العلم بصواب العمل بقوله وحسنه وإن لم يكن عالما بصدقه ، فلم يجب العلم من العمل، وإنّما نهى تعالى عن العمل الّذي لا يستند إلى شيء من العلم .
قلنا: اللّه تعالى نهى عن اتّباع ما ليس لنا به علم، ولو عملنا بخبر الواحد فقد قفونا ما ليس له علم ؛ لأنّا لا ندري أصدق هو أم كذّب، والعلم بصواب العمل عنده هو علم به، وأقوى العلوم به العلم بصدقه، وليس ذلك بموجود في العمل بخبر الواحد، فيجب أن يكون النهي متناوله.
فإن قيل : نهينا عن أن نقتفي ما ليس لنا به علم، ونحن إذا عملنا بخبر الواحد
فانّما اقتفينا بخبر قول الرسول صلى الله عليه و آله يعبدنا بالعمل به ، والدليل الدالّ على ذلك ولم نتبع قول الخبر الواحد.
قلنا: ما اقتفينا إلاّ بقول الخبر الواحد ، ولا عملنا إلاّ على قوله ؛ لأنّ عملنا مطابقا لما أخبرنا به مطابقة يقتضي تعلّقها به .
وإنّما الدليل في الجملة عند من ذهب إلى هذا المذهب إلى وجوب العمل بخبر الواحد العدل ، وعلى طريق التفصيل إنّما نعمل بقول من أخبرنا بتحليل شيء بعينه أو تحريمه .
وبعد ، فلو سلمنا إنّا مقتفون قول النبيّ صلى الله عليه و آله لكان لابدَّ من كوننا مقتفين أيضا قول المخبر لنا بالتحليل أو التحريم ، ألا ترى أنّ قوله عليه السلام لو انفرد عن خبر المخبر .
فإن قيل : هذا سيبطل بالشهادات، وقيم المتلفات، وجهة القبلة، ومسائل لا تحصى .
قلنا: أخرجنا هذه المواضع كلّها من ظاهر الآية بدليل ، وبقي موضع الخلاف متناولاً حكمه للظاهر.
ويمكن أيضا أن يستدلّ على أنّ الظن عند خبر الواحد في الشريعة لايجوز العمل عنده، وكذلك في القياس الشرعي، بأنّ اللّه تعالى ينهى في الكتاب عن اتّباع الظن والعمل به، وظاهر ذلك يقتضي العمل به ، ولا عنده في موضع من المواضع، ولما دلّت الأدلّة الظاهرة على العمل عند الظنون في مواضع من الشريعة خصصنا ذلك بتناوله النهي ، وبقيت مسائل الخلاف يتناولها الظاهر ، ولا نخرجها منه إلاّ بدليل ، ولا دليل يوجب إخراجها». ۸

1. الذريعة إلى اُصول الشريعة : ج ۲ ص ۵۱۹ .

2. المصدر السابق : ص ۵۱۸ ـ ۵۱۹.

3. المصدر السابق : ص ۵۱۹ .

4. المصدر السابق .

5. جوابات المسائل الموصليات الثالثة : ص ۲۰۲ ـ ۲۰۳ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الاُولى).

6. الإسراء: ۳۶.

7. البقرة: ۱۶۹.

8. مسائل شتى : ص ۳۳۶ ـ ۳۳۷ ( رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الرابعة).


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
148
  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    سایر پدیدآورندگان :
    وسام الخطاوی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3272
صفحه از 358
پرینت  ارسال به