النسخ في الأخبار
في هذا المقطع نجمل القول في نسخ الأخبار مقتصرين على ما ورد في الموروث
الفقهي عند الشريف المرتضى قدس سره ، تاركين تفصيل المباحث إلى فصول اُخرى خصوصا الفرع الاُصولي .
ويجزم الشريف المرتضى قدس سره في عدّة من مباحثه الفقهية بأنّ نسخ الكتاب بأخبار الآحاد غير جائز، فهو يقول: «فأمّا الأخبار الّتي رووها من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مسح على خفيه . . . فلا تعارض ظاهر الكتاب ، لأنّ نسخ الكتاب أو تخصيصه بها ـ ولابدَّ من أحدهما ـ غير جائز». ۱
وأصرح من هذا النصّ ما قاله قدس سره : «ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضي الظن كتاب اللّه تعالى الّذي يوجب العلم ، وإذا كنّا لانخصص كتاب اللّه تعالى بأخبار الآحاد فالأولى ألاّ ننسخه بها، وقد بيّنا ذلك في كتابنا في أصول الفقه وبسطناه». ۲
ويستدرك الشريف المرتضى قدس سره قائلاً : إنّ النسخ يصحّ لو كانت هناك دلالة ، ومقصوده بالدلالة هي القرينة القطعية ، وإلاّ فإنّ أخبار الآحاد حالها حال القرائن الظنية ، ويقول بهذا الصدد : «وممّا انفردت به الإمامية: أن تقول في الأذان والإقامة بعد قول: «حي على الفلاح»: « حي على خير العمل . . . » .
وقد روت العامّة : إنّ ذلك ممّا كان يقال في بعض أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله ، وإنّما ادعي أنّ ذلك نسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة وما يجدها». ۳
وفي مطاف بحثنا هذا يعرّج الشريف المرتضى قدس سره على توضيح حقيقة النسخ ، فيقول: « ليس كلّ زيادة في النصّ نسخا ، وإنّما تكون نسخا إذا غيرت حال المزيد عليه وأخرجته من كلّ أحكامه الشرعية . . . .
على أنّه لو كان الأمر على ما ذهب إليه أصحاب أبي حنيفة : في أنّ الزيادة في
النصّ نسخ على كلّ حال ۴ ـ من غير اعتبار بما ذكرناه ـ لما جاز أن يحكم في الزيادة إنّما نسخ إلاّ إذا تأخّرت عن دليل الحكم المزيد عليه ، فأمّا إذا صاحبته أو تقدمت عليه لم يكن نسخا ؛ لأنّ اعتبار تأخّر الدليل في الناسخ واجب عند كلّ محصّل». ۵
فمن النصّ نستفيد:
۱ . إنّ حقيقة النسخ هي: أنّها تغيّر حال المزيد عليه ، وتخرجه من كلّ الأحكام الشرعية .
۲ . إنّ حقيقة النسخ هي: إنّها تتأخّر عن دليل الحكم المزيد عليه، وإلاّ إذا صاحبته أو تقدّمت عليه لم يكن نسخا.
1. مسائل الناصريات : ص ۱۳۱.
2. الانتصار : ص ۵۹۹ .
3. المصدر السابق : ص ۱۳۷ .
4. انظر فواتح الرحموت (هامش المستصفى) : ج ۲ ص ۹۲.
5. مسائل الناصريات : ص ۴۳۰.