التحقيق حول رواة الخبر
السند وسلامته يشكل الحجر الأساس في المنظومة الاجتهادية ، والشريف المرتضى قدس سرهله اليد الطولى في هذا المجال ، ونأتي على ذلك بنماذج لنرى مقدار معطيات هذا المنهج عنه ، ثمّ بالقاسم المشترك بينها لنخرج بنتيجة منهجية في ذلك :
۱ . يرى الشريف المرتضى قدس سره أنّ أبابكر بن أبي سبرة ـ عند نقّاد الحديث ـ : من الكذّابين. وما يرويه عن الحسين بن عبيداللّه بن عبداللّه بن عبّاس فهو أيضا عندهم من الضعفاء المطعون في روايتهم. ۱
۲ . وينقل الشريف المرتضى قدس سره عن الساجي قوله: إنّ يزيد بن أبي زياد كان رفّاعاً ، ثمّ يفسّر كونه رفّاعاً ، أي يرفع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله مالا أصل له. ۲
۳ . ما ينقله الشريف المرتضى قدس سره عن المخالفين بما رووه عن قتادة ، عن سمرة ، عن الحسن بن محمّد . . . ، يقول : وقد طعن في هذا الخبر بأنّ قتادة دلّسه ، وقال: عن سمرة ولم يقل: حدّثني. ۳
۴ . لا يقطع الشريف المرتضى قدس سره على أنّ هذيل بن شرحبيل مجهول ضعيف ؛ لأنّه ينقل ذلك بعنوان: قيل. ۴
۵ . يقول الشريف المرتضى قدس سره: إنّ الحسن بن عمارة ضعيف عند أصحاب الحديث، ولمّا ولي المظالم ، قال سليمان بن مهران الأعمش : ظالم ولي المظالم. ۵
۶ . وصرّح الشريف المرتضى قدس سره بأنّ عمرو بن شعيب مضعّف عند أصحاب الحديث. ۶
۷ . يطرح الشريف المرتضى قدس سره في مسألة الوصية للوارث ثلاثة أخبار:
الخبر الأوّل: ما رواه شهر بن حوشب ، عن عبدالرحمن بن عثمان ، عن عمرو بن خارجة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم . . . .
الخبر الثاني: ما رواه إسماعيل بن عيّاش ، عن شرحبيل بن مسلم ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، يقول . . . .
الخبر الثالث: ما رواه إسحاق بن إبراهيم الهروي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبداللّه ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : . . . .
يقول الشريف المرتضى قدس سره: فأمّا خبر شهر بن حوشب فهو عند نقاد الحديث مضعّف كذّاب ، ومع ذلك فإنّه تفرد به عن عبدالرحمن بن عثمان ، وتفرد به عبدالرحمن عن عمرو بن خارجة ، وليس لعمرو بن خارجة عن النبيّ صلى الله عليه و آله إلاّ هذا الحديث. ومن البعيد أن يخطب النبيّ صلى الله عليه و آله في الموسم بأنّه لا وصيّة لوارث، فلا يرويه عنه المطيفون به من أصحابه، ويرويه أعرابي مجهول وهو عمرو بن خارجة، ثمّ لا يرويه عن عمرو إلاّ عبدالرحمن، ولا يرويه عن عبدالرحمن إلاّ شهر بن حوشب ، وهو ضعيف متّهم عند جميع الرواة.
فأمّا حديث أبي أمامة فلا يثبت ، وهو مرسل؛ لأنّ الّذي رواه عنه شرحبيل بن مسلم، وهو لم يلق أبا اُمامة، ورواه عن شرحبيل إسماعيل بن عياش وحده ، وهو ضعيف.
وحديث عمرو بن شعيب أيضاً مرسل، وعمرو ضعيف لا يحتجّ بحديثه .
وحديث جابر أسنده أبو موسى الهروي ، وهو ضعيف متّهم في الحديث، وجميع من رواه عن عمرو بن دينار لم يذكروا جابراً ولم يسندوه.
وما روي عن ابن عيّاش لا أصل له عند الحفّاظ، وراويه حجّاج بن محمّد ، عن ابن جريح ، عن عطاء الخراساني، وعطاء الخراساني ضعيف، ولم يلق ابن عيّاش
وإنّما أرسله عنه.
وربّما تعلّق بعض المخالفين بأنّ الوصيّة للوارث إيثار لبعضهم على بعض ؛ وذلك ممّا يكسب العداوة والبغضاء بين الأقارب، ويدعو إلى عقوق الموصي ، وقطيعة الرحم.
وهذا ضعيف جدّاً ؛ لأنّه إن منع من الوصيّة للأقارب ما ذكروه منع من تفضيل بعضهم على بعض في الحياة بالبرّ والإحسان؛ لأنّ ذلك يدعو إلى الحسد والعداوة، ولاخلاف في جوازه ، وكذلك الأوّل. ۷
والقاسم المشترك بين هذه التضعيفات هي ضعف الراوي ، ولكن كانت صور التضعيف على عدّة أشكال:
أ ـ كذّاب .
و ـ مجهول .
ب ـ ضعيف .
ز ـ ظالم .
ج ـ مطعون فيه .
ح ـ مضعّف .
د ـ رفّاع .
ط ـ متّهم في الحديث .
هـ ـ مدلّس .
ي ـ لا يحتجّ بحديثه .
وهذا المقدار من التضعيفات ممّا يستحقّ البحث والتحقيق ، وهي تنم على سعة اُفق الشريف المرتضى قدس سرهالرجالية خصوصاً ما رأيناه في النقطة السابعة ، فقد ردّ الخبر بأسانيده الثلاثة بتفصيل دقيق .
نعم ، في بعض الأحيان يجمل الشريف المرتضى قدس سره القول في تضعيف الخبر ، ولايتعرّض إلى تفصيل الطعن ، أمّا لأجل وضوحه ، أو لأجل أسباب اُخرى ، كما يقول قدس سره : «إنّ هذا الخبر مطعون عليه عند أصحاب الحديث ، مقدوح في راويه». ۸
مع أنّ الشريف المرتضى قدس سره لم يصرّح باسم الراوي ، وأصرح من هذا حيث يقول قدس سره: «على أنّ هذه الأخبار كلّها قد طعن أصحاب الحديث ونقاده على رواتها ، وضعّفوهم ، وقالوا في كلّ واحد منهم ما هو مسطور لامعنى للتطويل بإيراده». ۹
وصرّح في مواضع اُخرى قائلاً : « إنّ هذا خبر واحد ، وإن كنّا لا نعرفه ولا ندري عدالة راويه ، وقد بيّناه في غير موضع أنّ أخبار الآحاد العدول لا تقبل في أحكام الشريعة » . ۱۰
وأصرح من هذا النصّ قوله : « إنّ هذه أخبار آحاد تنفردون بها ، ولا نعرف عدالة رواتها ، ولا صفاتهم » . ۱۱
1. المصدر السابق : ص ۳۹۱ .
2. المصدر السابق : ص ۴۹۸، واُنظر تهذيب التهذيب : ج ۱۱ ص ۲۸۸.
3. المصدر السابق : ص ۵۱۷.
4. المصدر السابق : ص ۵۵۸.
5. المصدر السابق : ص ۵۶۶، واُنظر تهذيب الكمال : ج ۶ ص ۲۷۵.
6. المصدر السابق : ص ۵۹۰.
7. المصدر السابق : ص ۵۹۹ ـ ۶۰۰.
8. مسائل الناصريات : ص ۴۱۰.
9. الانتصار : ص ۲۶۹.
10. المصدر السابق : ص ۳۷۶ .
11. المصدر السابق : ص ۴۰۸ .