الفصل الثالث : وثاقته والأدلة عليها
اشتهر بين المتأخرين وثاقته استنادا على الروايات الواردة في مدحه في حياته، والترحّم عليه بعد مماته، ورواية الثقات عنه . وسندرس تلك الروايات سندا ومتنا ثُمَّ نذكر آراء العلماء ، وأقوال المحققين فيها . ونصنفها إلى قسمين :
أ ـ الروايات الصحيحة المادحة له في حياته :
روى المعلّى روايات عديدة عن الإمام الصادق عليه السلاميظهر من خلالها أنّه كان مورد عناية الإمام عليه السلام في تربيته وتعليمه، وردّ شبهات عصره، ومعرفته بالأئمّة عليهم السلام، وتهذيب أخلاقه، وتحذيره وإخباره عن مستقبل أمر شهادته ـ تجدها مبثوثة في الباب الثاني من هذا الكتاب ـ ، وإن كانت هذه الروايات تعطينا صورة كاملة عن اتجاهه وعقيدته وموقعه عند الإمام، إلاّ أنّه لا يمكن أن نفتتح الاستدلال على وثاقته فيها، ولكن يجب أن نبدأ بنقل الروايات المادحة له بأسانيد أُخرى والتي منها :
۱ . عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة بن خالد، عن أبيه قال : دخلت أنا ومعلّى بن خُنَيس، على أبي عبداللّه عليه السلاموليس هو في مجلسه، فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه، وليس عليه جلباب، فلما نظر إلينا رحّب، فقال : مرحبا بكما
وأهلاً، ثُمَّ جلس وقال : أنتم أُولو الألباب في كتاب اللّه ، قال اللّه تبارك وتعالى : «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ» ۱ ، فابشروا، أنتم على إحدى الحسنيين من اللّه ۲ ، أما إنّكم إن بقيتم حتى تروا ما تمدون إليه رقابكم، شفى اللّه صدوركم، وأذهب غيظ قلوبكم، وأدالكم على عدوكم : وهو قول اللّه ـ تبارك وتعالى ـ : «وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ» ۳ ، وإن مضيتم قبل أن تروا ذلك، مضيتم على دين اللّه الذي رضيه لنبيه صلى الله عليه و آله وبعث عليه ۴ .
الرواية صحيحة، ويظهر أنّهما ـ عقبة بن خالد والمعلّى بن خُنَيس ـ من خواص الإمام الصادق عليه السلام وموضع عنايته، ووصفهم بأنّهم من أولي الألباب، أي أولي العقول، وهذا غاية المدح والثناء من قبل الإمام عليه السلام، ثُمَّ يبشرهم بإحدى الحسنيين، إما النصر أو شفاء الصدر، وإن مضيتم قبل أن تروا ذلك مضيتم على دين اللّه الذي رضيه لنبيه صلى الله عليه و آلهوبعثه عليه ، أي أنّهم على هدى من أمرهم .
۲ . محمّد بن يعقوب : عن العدة، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن عقبة بن خالد، قال : دخلت أنا والمعلّى وعثمان بن عمران على أبي عبداللّه عليه السلام فلما رآنا، قال : مرحبا مرحبا بكم، وجوه تحبنا ونحبها، جعلكم اللّه معنا في الدنيا والآخرة ۵ .
الرواية صحيحية على القول بوثاقة ابن زياد، ومنسجمة مع الصحيحة المتقدمة . فمن الجائز أن يصدر مثل هذا الترحاب من الإمام الصادق عليه السلام بحق المعلّى وعقبة بن خالد الثقة .
۳ . الحسن بن محمّد الطوسي في «مجالسه» عن أبيه، عن ابن الغضائري، عن التلعكبري، عن محمّد بن همام، عن علي بن الحسين الهمداني، عن محمّد بن خالد، عن أبي قتادة، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبداللّه عليه السلامـ في حديث ـ أنّه قال للمعلّى بن خنيس : يا معلّى، اعزز باللّه يعززك .
قال : بماذا؟
قال : يا معلّى، خف اللّه يخف منك كل شيء، يا معلّى، تحبب إلى إخوانك بصلتهم، فإنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ جعل العطاء محبة، والمنع مبغضة، فأنتم واللّه إن تسألوني فأعطيكم فتحبوني، أحب إليَّ من ألاّ تسألوني فلا أُعطيكم فتبغضوني، ومهما أجرى اللّه لكم شيء على يدي فالمحمود اللّه ، ولا تبعدون من شكر ما أجرى اللّه لكم على يدي ۶ .
الرواية صحيحة، وفيها وصية تربوية إيمانية يخص بها الإمام الصادق عليه السلامالمعلّى بن خنيس . وكان الإمام عليه السلاميعدّه لمهمة لما في الخبر من مضامين مهمة، كالعزة باللّه والتحبب للإخوان، والشكر للّه على نعمة الأئمّة عليهم السلام وما جرى على أيديهم .
1. سورة الرعد الآية ۱۹ .
2. إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلآَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ»سورة البراءة، الآية ۵۲ .
3. سورة البراءة، الآية ۱۴ و ۱۵ .
4. المحاسن ، ص ۱۶۹ (ح ۱۳۵) ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۵، ص ۹۳ .
5. الكافي ، ج ۴، ص ۳۴ (ح ۴) ؛ خاتمة مستدرك الوسائل ، ج ۵، ص ۲۹۳ .
6. أمالي الشيخ الطوسي ، ج ۱، ص ۳۱۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۹، ص ۴۷۶ .