مناقشة العلماء لتلك الروايات :
قال السيّد الخوئي : هذه الرواية ضعيفة بأحمد بن علي، والحسين بن عبيداللّه ، ومحمّد بن أورمة، والمفضل بن عمر ۱ .
وقال محمّد بن إسماعيل الخواجوي المازندراني في كتابه الفوائد الرجالية بعد ذكر الرواية الثانية والإشارة إلى السابقة : هما بين مجهول وضعيف، ومخالفان لما دل على صحيح الخبر من أنّه عليه السلام كان في أيام قتل المعلّى وصلبه، في مكة .
وقال المولى ميرزا محمّد في الأوسط : ولا يخفى أنّ ما في هذين الحديثين من الذم ليس إلاّ من جهة تقصير في التقية، وترحم الصادق عليه السلام يدلّ على أنّ ذلك التقصير وإن لم يكن مرضيا لهم، مستحسنا .
لكن لم يكن أيضا موجبا لعدم رضائهم عليهم السلام عنه مخرجا له من أهلية الجنة واستحقاقه لها، بل الظاهر أنّ ذكر ذلك منه عليه السلام عن شفقة وتأسف لترتب القتل، وأنّه على درجته وعظم قدره بقتله، وكان كفارة لذلك أيضا .
أما اعتقاد غير الحق فشيء ينفيه سياق هذه الروايات جميعا وبالجملة، والذي
يظهر لي أنّه من أهل الجنة، كما قال السيّد أحمد بن طاووس .
يقول الخواجوي : ترك التقية الواجبة قدح عظيم، وذم وخيم، والحق أنّ ضعف طريق الحديثين وجهالته يغني عن تجشّم هذا التوجيه ۲ .
وقال ابن طاووس في التحرير الطاووسي بعد الإشارة إلى هذه الرواية : أحد الرواة محمّد بن أورمة وهو ضعيف، ثُمَّ قال :... والذي يظهر لي أنّه من أهل الجنة، واللّه الموفق ۳ .
وقال الشيخ الطبرسي النوري : بعد التأمل وتقييد مطلقاتها أنّه أذاع ما رآه وفعل به الإمام عليه السلام، من طي الأرض من الكوفة إلى المدينة ... وأنّ الإذاعة كان من الأمراض العامة بين خواص أصحابهم عليه السلام فضلاً عن غيرهم، وبعد تسليم قدحها في الوثاقة فإنّما كانت في آخر عمره، فلا تضر بأحاديثه السابقة ۴ .
ثُمَّ قال في موضع آخر : والأخبار التي رواها الكشّي في ذمه كلّها من جهة إذاعة السر، ولم يرد في ذمه من غير هذا الوجه، ولئن سلّمنا أنّه فاسق من هذا الوجه، فهو متأخر عن رواياته، فهي مروية في حال عدالته على الظاهر ۵ .
والذي جعل الشيخ النوري يقول بهذا التوجيه هو أنّه لم يذكر مناقشة أسانيد تلك الروايات، لما عرف عنه في تساهله بقبول الروايات وعدم تجريح الرواة، أما لو أنّه درس أسانيدها لاستغنى عن هذا التوجيه، ومع هذا لا يقول بضعف رواياته وردها .
وقال الشيخ مسلم الداوري : والتحقيق في المقام أنّ جميع ما استدل به على ضعفه قابل للمناقشة .
أما من جهة الروايات، فلا دلالة فيها على الضعف ولا إشعار فيها بالانحراف، فروايتي الكشّي مضافا إلى ضعف سندهما، اشتملت الثانية منهما على ترحّم الإمام على المعلّى بن خُنَيس . نعم ورد في بعضها : ومن أذاعه علينا سلبه اللّه ؛ لأنّه يمكن أن تحمل على عدم التوفيق والمخالفة في مقام العمل لا في الاعتقاد، فلا دلالة فيها على إفساد المذهب، ولا عدم الصدق في الرواية، والذي يسهّل الخطب أنّ الرواية مخدوشة من جهة السند، فلا اعتبار بها ۶ .
هذا ما جاء في الروايات الذامة التي انتهينا إلى ضعف سندها وقصور دلالتها عن ضعف المعلّى بن خُنَيس، عِلما أنّ المعلّى روى محتوى الرواية الاُولى من دون ذكر تحذير الإمام الصادق عليه السلام له من إذاعة السر ۷ ، وإن كانت الرواية الثانية تنسجم مع الاُولى في سبب قتل المعلّى، وقد تقدم في بحث شهادته خلاف هذا، بأنّ سبب شهادته كان دعوته لأهل البيت عليهم السلام واختصاصه بصحبة الإمام الصادق، لا ما قاله الغلاة لإفشاء أسرار الإمام .
ولعل تلك الروايات من موضوعات الغلاة؛ لأنّهم رأوا أنّ الإمام الصادق خصه بمكرمة لم ينلها أحد غيره في إظهار معجزته فيه إكراما لصحبته
وإخلاصه، حاولوا التشويش على شخصيته فلفقوا بين رواية المعلّى في أنّ الإمام أظهر له معجزة بأن أراه أهله في العراق وهو في المدينة، وبين دعاء الإمام على من كذب عليهم أن يذيقه اللّه حر الحديد، فقالوا : إنَّ المعلّى أفشى أسرارهم في روايته هذه، فأذاقه اللّه حر الحديد، وأسندوا هذه الرواية إلى الإمام الصادق كذبا وزورا .
۳ ـ رواياته في العقيدة والأحكام التي استفيد منها التضعيف :
أ ـ في العقيدة، قال الكشّي في ترجمة عبداللّه بن أبي يعفور : عن محمّد بن الحسن البراثي وعثمان، قالا : حدَّثنا محمّد بن يزداد، عن محمّد بن الحسين، عن الحجّال، عن أبي مالك الحضرمي، عن أبي العباس البقباق قال : تذاكر ابن أبي يعفور ومعلّى بن خُنَيس، فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء، أبرار، أتقياء، وقال ابن خُنَيس : الأوصياء أنبياء .
قال : فدخلا على أبي عبداللّه عليه السلام، قال : فلما استقر مجلسهما قال : فبدأهما أبو عبداللّه عليه السلام فقال : يا عبداللّه ابرأ ممّن قال إنّا أنبياء ۸ .
1. معجم رجال الحديث ، ج ۱۸، ص ۲۴۵، رقم ۱۲۴۹۶ .
2. الفوائد الرجالية ، ص ۳۴۴ ـ ۳۴۵ .
3. التحرير الطاووسي ، ص ۵۷۰ و ۵۷۱ .
4. خاتمة المستدرك ، ج ۵، ص ۳۱۹ ـ ۳۲۰ .
5. خاتمة المستدرك ، ج ۵، ص ۳۲۲ .
6. أُصول علم الرجال ، ص ۵۹۶ .
7. روى أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن عثمان، عن المُعلّى بن خُنَيس قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال لي : مالي أراك كئيباً؟
فقلت : بلغني عن العراق وما أصاب أهله من الوباء، فذكرت عيالي وداري ومالي هناك .
فقال : أيسرك أن تراهم؟
فقلت : أي واللّه إنّه ليسرّني ذلك .
قال : فحوّل وجهك نحوهم، فحوّلت وجهي، فمسح بيده على وجهي، فإذا داري وأهلي وولدي ممثلة بين يَدَي نصب عيني .
قال : فقال : ادخل دارك . فدخلتها حتى نظرت إلى جميع ما فيها من عيالي ومالي، ثُمَّ بقيت ساعة حتى مللت منهم، ثم خرجت .
قال لي : حوّل وجهك، فحوّلت وجهي فنظرت فلم أرَ شيئاً . (بصائر الدرجات ، ص ۴۰۶ (ح ۸) ؛ الاختصاص ، ص ۳۲۳ ؛ دلائل الإمامة ، ص ۲۸۹ ؛ مدينة المعاجز ، ص ۳۶۰ ؛ بحارالأنوار ، ج ۴۷ ، ص ۹۲) .
8. رجال الكشّي ، ج ۲، ص ۵۱۵، رقم ۴۵۶ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ج ۳، ص ۳۵۴ ؛ بحارالأنوار ، ج ۲۵، ص ۲۹۱، و ج ۴۷، ص ۱۳۰ ؛ جامع الرواة ، ج ۲، ص ۲۴۹ ؛ معجم رجال الحديث ، ج ۱۸، ص ۲۴۵ .