43
المعلّي بن خنيس

شهادة المعلّى بن خُنَيس :

بعد البيعة لأبي العباس عبداللّه بن محمّد بن علي في الكوفة، سعى لتنظيم شأنه وفرض السيطرة على الحواضر الإسلامية المهمة، فوجّه عبداللّه بن علي إلى الشام لمطاردة فلول بني أُمية المنهزمة وتصفية بقايا الأُمويين، وأقام سليمان بن علي على البصرة، وصالح بن علي على مصر، وإسماعيل بن علي على الأهواز، وبعث داوود بن علي إلى الحجاز واليمن ۱ ، وكان داوود بن علي ذو أهمية عالية ودور خطر في تأسيس الدولة العباسية، فهو الذي حثّ بني العباس للتوجّه للكوفة بعد أن شخّص وضعها، وبعد البيعة لأبي العباس، أمرهم بالخروج عنها وقال : إنّها محاطة بجيران، الشام والجزيرة، وخطر ابن هبيرة، وأنَّ الكوفة علوية يجب عدم البقاء بها، وهو الذي خاطب أبا سلمة الخلال بأخذ البيعة لأبي العباس السفّاح، وأنّه إمامهم وخليفتهم ۲ ، وقدّم أبو العباس يوم بويع فحضر فقام دونه ۳
، فحمد اللّه وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله، وقال : أيّها الناس، إنّه واللّه ما كان بينكم وبين رسول اللّه خليفة إلاّ علي بن أبي طالب وأميرالمؤمنين هذا الذي خلفي .
وبعد البيعة لأبي العباس ولاّه على الكوفة ۴ ، لخطورة موقعها في سير الحركة العباسية . وأول خطوة قام بها حث ابن أخيه على التخلّص من أبي سلمة الخلاّل بواسطة أبي مسلم الخراساني ۵ ، للخطر المتوقّع منه، ثُمَّ وجهه واليا إلى المدينة والموسم ومكة واليمن واليمامة ۶ ؛ لأنّ المدينة تعتبر المركز المنافس الحقيقي للعباسيين وهم العلويون، سواء كان الحسنيين أو حركة الإمام الصادق عليه السلام الفكرية، وخوفهم من شخصيته القوية التي استقطبت الساحة العلمية . كما أنّ موسم هذا العام يعتبر أول موسم يلتقي به الحجيج في ظل الدولة العباسية، فمن يكون لهذه المهمة الصعبة والخطيرة غير داوود بن علي الذي قيل فيه : لم يكن أحد من بني العباس يتكلم ويبلغ حاجة على البديهة غير أبي جعفر وداوود بن علي ۷ . فقد أدى دوره بأحسن مايكون وأقام الحج ۸ .
وخطب في مكة وهو مسند ظهره إلى الكعبة، وقال : شكرا شكرا إنّا واللّه ما خرجنا لنحفر فيكم نهرا، ولا لنبني قصرا، ظن عدو اللّه أن لن نقدر عليه، أمهل اللّه في طغيانه وأرخى له من زمانه، حتى عثر في فضل خطامه، والآن أخذ القوس باريها، وعاد النبل إلى نزعه، وعاد الملك في نصابه من أهل بيت نبيكم أهل الرأفة والرحمة . واللّه إن كنا لنشهد لكم، ونحن على فراشنا أمن الأسود والأبيض، لكن ذمة اللّه وذمة رسوله وذمة العباس، ها ورب هذه الأبنية لانهيج أحدا، ثُمَّ نزل ۹ .
هذا ما قام به في أول موسم للحج بتاريخ الدولة العباسية، حيث ذكر زوال ملك
بني أُمية، ورجوع الحق إلى أهل بيت النبيّ، وأقسم لهم بذمة النبيّ وعمّه العبّاس، لا يعتدوا على أحد ليبعث الاطمئنان في نفوس النّاس التي تعودت الظلم والاضطهاد في ظل الحكم الأموي .
أمّا ما قام به في مواجهة الوجود العلوي في المدينة، فقد قدّر مكمن الخطر في حركة الإمام الصادق عليه السلاموأصحابه، لذا فكّر في ضربهم والحدّ من نشاطهم، وإعطاء موقف واقعي في طريقة التعامل معهم في المستقبل، فأفضل نموذج مرشّح ليكون العبرة لغيره ولأهميته في نفس الوقت هو المعلّى بن خُنَيس، الذي عُرف عنه من خلال نشاطه في الدعوة للإمام الصادق عليه السلام ـ كما تقدم ـ وقربه منه، فدعاه وسأله عن أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام، وسأله أن يكتبهم له، فقال : ما أعرف من أصحابه أحد، وأنّما أنا رجل أختلف في حوائجه .
قال : تكتمني! أما أنّك لو كتمتني قتلتك!
فقال له المعلّى : أ بالقتل تهددني، واللّه لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم لك، ولئن قتلتني ليسعدني اللّه إن شاء اللّه ويشقيك، فقتله وصلبه .
ويروي لنا الكشّي رواية أُخرى مكملة للرواية السابقة، قال : لمّا أخذ داوود بن علي المعلّى بن خُنَيس حبسه وأراد قتله، فقال له المعلّى بن خنيس : أخرجني إلى الناس فإنّ لي دينا كثيرا ومالاً حتى أشهد بذلك، فأخرجه إلى السوق، فلمّا اجتمع الناس قال : يا أيها الناس أنا معلّى بن خُنَيس فمن عرفني فقد عرفني، اشهدوا أن ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمّد عليه السلام .
قال : فشد عليه صاحب شرطة داوود فقتله ۱۰ ، فقد استشهد رضى الله عنه ولم يعترف على أحد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، كما أوصى بكل ما يملكه للإمام الصادق عليه السلام .

1. التاريخ العباسي ، ص ۲۹ ـ ۳۰ .

2. تاريخ الطبري ، ج ۸، ص ۳۳۰ ـ ۳۳۳ .

3. سِيَر أعلام النبلاء ، ج ۵، ص ۴۴۴، رقم ۱۹۸ .

4. تاريخ الطبري ، ج ۸، ص ۳۳۲ .

5. تاريخ الطبري ، ج ۸، ص ۳۵۳ .

6. مختصر تاريخ دمشق ، ج ۸، ص ۱۴۹، رقم ۷۹ .

7. أنساب الأشراف ، ج ۴، ص ۱۱۷ ؛ تاريخ الطبري ، ج ۸، ص ۶۶۷ .

8. تاريخ خليفة بن خيّاط ، ص ۳۳۱ .

9. العقد الفريد ، ج ۴، ص ۱۰۰ ـ ۱۰۱ ؛ مختصر تاريخ دمشق ، ج ۸، ص ۱۵۱، رقم ۷۹ .

10. رجال الكشّي ، ج ۲، ص ۶۷۵، رقم ۷۰۸ ؛ معجم رجال الحديث ، ج ۱۸، ص ۲۳۹، رقم ۱۲۴۹۶ .


المعلّي بن خنيس
42
  • نام منبع :
    المعلّي بن خنيس
    سایر پدیدآورندگان :
    حسين السّاعدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2986
صفحه از 260
پرینت  ارسال به