دراسة الخبر :
عند قراءة متن الرواية يقع الكلام في الأُمور التالية :
أولاً : في تعيين يوم النيروز، فقد قال الشيخ ابن فهد الحلّي في المهذب البارع بعد أن نقل استحباب أعمال يوم النيروز : «يوم النيروز يوم جليل القدر، وتعيينه في السنة غامض، مع أنّ معرفته أمر مهم من حيث تعلّق به عبادة مطلوبة للشارع، والامتثال موقوف على معرفته، ولم يتعرض لتفسيره أحد من علمائنا، سوى ما قاله
الفاضل المنقّب محمّد بن إدريس رضى الله عنه، والذي حققه بعض محصلي الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب لهم، أنّ يوم النيروز يوم العاشر من آيار . وقال الشهيد : وفُسّر بأول سنة الفرس، أو حلول الشمس برج الحمل، أو عاشر آيار، أو اليوم السابع عشر من كانون الأول، أو اليوم التاسع من شباط» ۱ .
لكن المتعارف عليه الآن أنّ النيروز أول يوم من فروردين أول السنة الشمسية الموافق للواحد والعشرين من آذار . واختاره المجلسي في بحاره، والعلاّمة رضي الدين القزويني صاحب الخواص، وقوّاه بعض السادة المحققين ۲ .
ثانيا : إن أيام الفرس القديمة ـ كما في الخبر ـ ثلاثون يوما لا زيادة فيه ولا نقصان . فعلى هذا يكون مجموع أيام السنة ۳۶۰ يوما، أمّا المتسالم عليه الآن والمطابق لحركة الشمس وانتقالها إلى الاعتدال الربيعي تكون السنة ۳۶۵ يوما مع سنة كبيسة لكل أربع سنوات، بزيادة يوم فتصبح السنة ۳۶۶ يوما ، فخذ على الفرض الأول مناسبتين مقطوع في تاريخ حدوثهما، والذي افترضت الرواية وقوعهما في النيروز، وهما المبعث النبوي الشريف ۲۵ رجب، وبيعة الغدير ۱۸ ذي الحجة، لنرى هل يمكن توافق هاتين المناسبتين في يوم النيروز؟
نفترض أنّ ۲۵ رجب حدث في يوم النيروز، وبعد ثلاثة وعشرين سنة عشرة للهجرة يوم ۱۸ ذي الحجة كانت بيعة الغدير، والفرق بين السنة القمرية والشمسية على الفرض الأول (۳۶۰) خمسة أيام فيكون يوم الغدير يوم ۲۸ تيرماه .
وهذا دليل على كذب الخبر ووضعه .
أما لو أخذنا حساب هاتين المناسبتين على الحساب المتعارف عليه الآن في عدد أيام السنة الشمسية ۳۶۵ يوما، ولكل أربع سنوات كبيسة ۳۶۶ يوما، فيكون
الحساب كالآتي على فرض وقوع المناسبة الاُولى (المبعث الشريف ۲۵ رجب) في يوم النيروز ۲۳ ۱۱ = ۲۵۳ + ۵ فرق الكبيسة = ۲۸۵ أي ثمانية أشهر واثنا عشر يوما؛ لأنّ الستة أشهر الأولى ۳۱ يوما ، فيكون عيد الغدير يوم ۱۲ آذر (الشهر التاسع) .
فلا يمكن حدوث الغدير والمبعث في يوم النيروز سواء على حساب الرواية أو على الحساب القائم في عدد أيام السنة الشمسية .
ثالثا : حاول الشيخ المجلسي في توجيه الرواية على أنّ النيروز كان بدايته اعتلاء أحد الأكاسرة العرش، فإذا كانت الرواية ناظرة لهذا المعنى من النيروز، فلا سبيل لمعرفته لتحديد تلك المناسبات، ولا يمكن تحديد وضبط عدد السنين والأيام .
رابعا : إنّ عيد النيروز كان من أعياد أهل الذمة كما عبّر عنه الشيخ الطوسي في المبسوط حيث قال : «وإن شرطا... وإن سمّي عيدا من أعياد أهل الذمة، مثل المهرجان والنوروز، جاز ذلك ؛ لأ نّه مشهور فيما بين المسلمين كشهرته بين أهل الذمة» ۳ .
وما جاء في المناقب : حُكي أنّ المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال : فتشت الأخبار عن جدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فلم أجد لهذا العيد خبرا، وأ نّه سُنّة الفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام .
فقال المنصور : إنّما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك باللّه العظيم إلاّ جلست فجلس ۴ .
فالتعارض بين الرواية المنسوبة للمعلى التي تصف أنّ يوم النيروز وقعت فيه عدة مناسبات مهمة في تاريخ البشرية والإسلام فهو من الأيام المهمة، وبين رواية المناقب التي تصفه بأنّه من سُنن الفرس ومحاها الإسلام .
جاء في هامش البحار : قال الشيخ علي أكبر الغفاري : «قد وردت روايتان متخالفتان في النيروز... وليس منهما صحيحة أو معتبرة بحيث يثبت بها حكم شرعي، وفي رواية معلّى إشكالات من جهة تطبيق النيروز على كثير من أيام الشهور العربية، وإن أتعب المؤلف نفسه في توجيهها بما لا يخلو من تكلّف لا يكاد يخفى على المتأمل، والظاهر من هذه الرواية حرمة تعظيم اليوم لكونه تعظيما لشعار الكفار واحياءً للسنة التي محاها الإسلام، وهي وإن لم تكن واجدة لشروط الحجيّة إلاّ أنّ الكبرى المشار إليها فهي ثابتة بالأدلة العامة والصغرى بالوجدان .
أمّا ما أفتى به كثير من الفقهاء من استحباب الغسل والصوم فيه فمبني ظاهرا على التسامح في أدلة السنن لرواية «من بلغه ثواب على عمل ...»، لكن إجراء القاعدة هنا لا يخلو من إشكال؛ لانصرافها عن الموارد التي يحتمل فيها الحرمة غير التشريعية، وهاهنا يحتمل حرمة الغسل والصوم لأجل احتمال كونهما مصداقين للتعظيم المحرّم ولو احتمالاً، والقاعدة لا تثبت في موردها الاستحباب المصطلح، فغاية ما يمكن أن يقال هو : ثبوت الثواب عليهما إذا أُتي بهما برجاء المطلوبية، لا على وجه التعظيم ۵ .
خامسا : قال المجلسي : وجدت في بعض كتب المنجمين مرويا عن مولانا الصادق عليه السلام في أيام الشهور الفرس ۶ .
وبالملاحظة للرواية في عد فضائل أيام الشهر، حيث نسي الراوي نفسه عندما
تحدّث عن الأيام، فبدلاً من أن يتم نقل الخبر عن الإمام الصادق أخذ يعرّف كل يوم، ثُمَّ يذكر قول الفرس، وبعده يذكر الكلام المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، ليجعله منسجما مع قول المنجّمين من الفرس، يختلف عنه بالألفاظ والتفاصيل .
فالرواية موضوعة من سندها وسياقها وتفاصيلها وتاريخ ظهورها، وضعها المنجّمون وأصحاب الفال .
1. المهذب البارع ، ج ۱ ، ص ۱۹۱ ؛ السرائر ، ج ۱ ، ص ۳۱۵ ؛ جامع المقاصد ، ج ۱ ، ص ۷۵ .
2. كتاب الطهارة (الأنصاري) ، ص ۳۲۸ ؛ والنوروز في مصادر الفقه والحديث ، ص ۲۵ .
3. المبسوط ، ج ۳، ص ۲۵۵ ؛ النوروز في مصادر أهل الفقه والحديث ، ص ۸ .
4. الثاقب ، ج ۱، ص ۳۱۹ ؛ بحارالأنوار ، ج ۵۶، ص ۱۰۰ ؛ النوروز في مصادر الفقه والحديث ، ص ۴۵ .
5. بحارالأنوار ، ج ۵۶، ص ۱۰۰ .
6. بحارالأنوار ، ج ۵۶، ص ۱۰۱ .