المقدمة
اللّهمَ صلِّ على محمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك، وصلِّ على محمّد كما أحلَّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك، وصلِّ على محمّد كما أقام الصلاة وآتى الزكاة ودعا إلى دينك، وصلِّ على محمّد كما صدّق بوعدك وأشفق من وعيدك، وصلِّ على محمّد كما غفرت به الذنوب وسترت به العيوب وفرَّجت به الكروب، وصلِّ على محمّد كما دفعت به الشقاء وكشفت به الغماء وأجبت به الدعاء ونجّيت به من البلاء، وصلِّ على محمّد كما رحمت به العباد وأحييت به البلاد وقصمت به الجبابرة وأهلكت به الفراعنة، وصلِّ على محمّد كما ضاعفت به الأموال وأحرزت به من الأهوال وكسرت به الأصنام ورحمت به الأنام، وصلِّ على محمّد كما بعثته بخير الأديان وأعززت به الإيمان وتبرت به الأوثان وعظّمت به البيت الحرام، وصلِّ على محمّد وأهل بيته الطاهرين الأخيار وسلّم تسليما . ۱
كان الإمام الصادق عليه السلام يمثّل أهم مرحلة في التأريخ الفكري الشيعي، إذ أصبح التشيع بفضله على درجة كبيرة من الوضوح والامتداد، واضح المعالم والأفكار والعقيدة والآراء، وكان الإمام يمثّل تلك المرحلة بكل تفاصيلها ودقائقها، مستغلاً الظروف السياسية التي يمر بها العالم الإسلامي المتمثّلة بسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، فاستقطب قطّاعا كبيرا من الشيعة، واهتم بنشر الحديث
وترويجه، وأعطى صورة واضحة عن التشيّع، فتوافدت الوفود عليه من كل حدب وصوب، للانتهال من منبعه الصافي، بعلمه المعروف عن آبائه، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وكان المعلّى بن خنيس أحد أصحابه المختصين به، راويا عنه، مهتديا بهديه، عارفا بحقه، مدافعا عنه، حتى لقى ربّه شهيدا سنة ۱۳۱ق بأيدي العباسيين .
وفي بحثنا هذا نسعى لفهم دور «المعلّى» السياسي والعلمي، والفكري ، أما السياسي ـ أبان قيام الدولة العباسية حيث إن الإمام الصادق عليه السلام انصرف لنشر الحديث والمعارف الاسلامية، والاهتمام ببناء القاعدة الفكرية والمرتكزات العلمية في الحياة الإسلامية، وتجنب العمل السياسي ـ فكان مشاركا في نشر الحديث وروايته، وداعيا إلى الخط الفكري الصحيح المتمثل بالإمام الصادق عليه السلام، وإلى جنب هذا خاض صراعا فكريا لمواجهة التيارات الفكرية التي ظهرت في عصره، فقد واجه الغلاة، كما حاجج الزيدية، ووقف موقفا رافضا للحكم العباسي الذي استغل التناقضات في اتجاهات الثوار ضد الدولة الأموية، حيث كان الثوار خليطا من القبائل اليمنية التي ثارت بدافع العصبية القبلية، والموالي بدافع الشعوبية، والشيعة الزيدية استمرارا لثورة زيد وتأسيس اتجاه فكري جيد يستمد الحماس الثوري من ثورة زيد وشهادته . تلك الأحوال تستدعي بحثا دقيقا لتداخل القضايا السياسية والقومية الشعوبية والقبلية والفكرية، وقد تلتقي تلك الاتجاهات والأفكار عند قاسم مشترك لتفرز مبررات فكرية ورؤى ثقافية لمواصلة المسيرة بمحتوى ثقافي آخر . وهذا ما حصل عند سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية التي حاولت أن توفق بين اتجاهات الثوار وبطرح جديد وأفكار توفيقية أُخرى .
فكان المعلّى بن خنيس قد عاصر تلك الثورة وهذه الإفرازات، ولم يكن خارج ساحة الصراع والمنافسة، وكان ذا دور بارز ومؤثر أربك الدولة العباسية الحديثة العهد بالحكم، فكان أول شهيد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام على أيديهم .
وأمّا دوره العلمي ، فقد كان حافظا للحديث، راويا له وقد صنّف كتابا فيه .
وأمّا الفكري فقد خاض سجالاً فكريا وعقائديا لتصحيح المسار الفكري الذي اضطربت قواعده عند بعض الشيعة، فواجهه الزيدية مستدلاً على عدم صحة اعتقادهم بأنّ محمّد بن عبداللّه بن الحسن إمامٌ ؛ لأنّه ليس لديه شيء من علامة الإمامة وإرث النبوّة، وأنّ الإمام الصادق عليه السلامهو الإمام المفترض الطاعة، فكان يؤكد على ضرورة معرفة الإمام وطاعته واتباع هديه .
وبالرغم ممّا يلحظ من اتباع المعلّى بن خنيس للإمام ـ حسب الروايات الكثيرة الصحيحة الاعتقاد ـ وصحبته الظاهرة للإمام الصادق عليه السلام وشهادته، نرى أنّه قد تعرّض للتجريح والتضعيف من قبل بعض العلماء .
ولمّا كان علم الجرح والتعديل مسؤولية شرعية وإنسانية لها آثارها في الأحكام الشرعية، فنحن نسعى في هذا البحث إلى استقراء الروايات المروية عن «المعلّى» والنصوص وأقوال العلماء في مدحه أو ذمه، وتصنيفها ودراستها دراسة دقيقة مسؤولة، لنصل إلى حقيقة علمية، وهذا هو هدفنا .
ولن نقصد في بحثنا هذا الدفاع عن «المعلّى» أو جعله رمزا استشهاديا واعيا، وإنّما ندرس ونبحث حياة المعلّى وشهادته وأقوال العلماء فيه ورواياته، كما وجدناها في المصادر الأولية مع دراستها وتحليلها والنظر في محتوياتها بما يقتضيه البحث والتحقيق .
وقد نواجه في قضية ما شيئا من الإحراج؛ لأنّها أصبحت عادة متعلقة بالمشاعر والشعور الوطني، إلا وهي روايات فضائل النيروز وأعماله، حيث إنَّ النيروز عيد وطني وقومي في إيران يحتفل فيه الشعب الإيراني، ولكن الذي نحن في صدده هو بحث القضية في إطارها العلمي في إثبات أو نفي تلك الروايات عن المعلّى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام، وهل يصبح عيد النيروز عيدا إسلاميا على ضوء تلك
الروايات أم عيدا وطنيا وقوميا ليس للإسلام فيه أثر، وأنّ تلك الروايات من موضوعات الفرس لغرض إعطاء نوع من القدسية الإسلامية لأيامهم! هذا ما نريد بحثه ودراسته في كتابنا .