خاصّة، ومن هنا سُمّیت بـ «صیام الخواصّ».
ثالثاً: صوم خواصّ الخواصّ
يتمثّل هذا الضرب من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّٰه سبحانه، حلالاً كان الشاغل أم حراماً. يقول أبو حامد الغزالي (ت ۵۰۵ ق) في نعت هذه الدرجة من الصوم:
۰.وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّة وكفّه عمّا سوى اللّٰه بالكلّية؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّٰه واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلّا دنيا تراد للدِّين؛ فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا، حتّى قال أرباب القلوب: مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه، كتبت عليه خطيئة، فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين،ولا يطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكنفي تحقيقها عملاً، فإنّه إقبال بكُنه الهمّة على اللّٰه، وانصراف عن غير اللّٰه، وتلبّس بمعنى قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)۱.۲
من جهته يُومِئ الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السلام إلى المراتب الثلاث هذه بقوله:
۰.صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِنصِيامِ اللِّسانِ، وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ.۳
على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم، كما يختلف الصوم أيضاً من زاوية دوافع الصائم، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه، والطمع برضاه ولقائه سبحانه.