181
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

سَيِّدي! بِكَ وَصَلوا إلیٰ مَرضاتِكَ، وبِكَرَمِكَ استَشعَروا مَلابِسَ مُوالاتِكَ.
سَيِّدي! فَاجعَلني مِمَّن ناسَبَهُم مِن أهلِ طاعَتِكَ، ولا تُدخِلني فيمَن جانَبَهُم مِن أهلِ مَعصِيَتِكَ، وَاجعَل مَا اعتَقَدتُهُ مِن ذِكرِكَ خالِصاً مِن شُبَهِ الفِتَنِ، سالِماً مِن تَمويهِ الأَسرارِ وَالعَلَنِ، مَشوباً بِخَشيَتِكَ في كُلِّ أوانٍ، مُقَرَّباً مِن طاعَتِكَ فِي الإِظهارِ وَالإِبطانِ، داخِلاً فيما يُؤيِّدُهُ الدّينُ ويَعصِمُهُ، خارِجاً مِمّا تَبنيهِ الدُّنيا وتَهدِمُهُ، مُنَزَّهاً عَن قَصدِ أحَدٍ سِواكَ، وَجيهاً عِندَكَ يَومَ أقومُ لَكَ وأَلقاكَ، مُحَصَّناً مِن لَواحِقِ الرِّئاءِ، مُبَرَّءاً مِن بَوائِقِ۱ الأَهواءِ، عارِجاً إلَيكَ مَعَ صالِحِ الأَعمالِ بِالغُدُوِّ وَالآصالِ، مُتَّصِلاً لا يَنقَطِعُ بَوادِرُهُ، ولا يُدرَكُ آخِرُهُ، مُثبَتاً عِندَكَ فِي الكُتُبِ المَرفوعَةِ في عِلِّيّينَ، مَخزوناً [لَدَيكَ] فِي الدّيوانِ المَكنونِ الَّذي يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ، ولا يَمَسُّهُ إلّاَ المُطَهَّرونَ.
اللَّهُمَّ أنتَ وَلِيُّ الأَصفِياءِ وَالأَخيارِ، ولَكَ الخَلقُ وَ[إلَيكَ] الاِختِيارُ، وقَد ألبَستَني فِي الدُّنيا ثَوبَ عافِيَتِكَ، وأَودَعتَ قَلبي صَوابَ مَعرِفَتِكَ، فَلا تُخلِني فِي الآخِرَةِ عَن عَواطِفِ رَأفَتِكَ، وَاجعَلني مِمَّن شَمِلَهُ عَفوُكَ، ولَم يَنَلهُ سَطوَتُكَ.
يا مَن يَعلَمُ عِلَلَ الحَرَكاتِ وحَوادِثَ السُّكونِ، ولا تَخفیٰ عَلَيهِ عَوارِضُ الخَطَراتِ في مَحالِّ الظُّنونِ، اجعَلنا مِنَ الَّذينَ أوضَحتَ لَهُمُ الدَّليلَ عَلَيكَ، وفَسَحتَ لَهُمُ السَّبيلَ إلَيكَ، فَاستَشعَروا مَدارِعَ الحِكمَةِ، وَاستَطرَقوا سُبُلَ التَّوبَةِ، حَتّیٰ أناخوا في رِياضِ الرَّحمَةِ،

1.. بَوائِقُهُ: أي غَوائلُه وشرُورُه (النهاية: ج۱ ص۱۶۲ «بوق»).


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
180

واُنزِلُ بِكَ كُلَّ ما يَخطُرُ بِبالي مِنَ الطَّلِباتِ، واثِقاً بِقَديمِ طَولِكَ، ومُدِلّا بِكَريمِ تَفَضُّلِكَ، وأَطلُبُ الخَيرَ مِن حَيثُ تَعَوَّدتُهُ، وأَلتَمِسُ النُّجحَ مِن مَعدِنِهِ الَّذي تَعَرَّفتُهُ، وأَعلَمُ أنَّكَ لا تَكِلُ اللّاجينَ إلَيكَ إلیٰ غَيرِكَ، ولا تُخلِي الرّاجينَ لِحُسنِ تَطَوُّلِكَ مِن نَوافِلِ بِرِّكَ.
سَيِّدي! تَتابَعَ مِنكَ البِرُّ وَالعَطاءُ، فَلَزِمَنِي الشُّكرُ وَالثَّناءُ، فَما مِن شَيءٍ أنشُرُهُ وأَطويهِ مِن شُكرِكَ، ولا قَولٍ اُعيدُهُ واُبديهِ في ذِكرِكَ، إلّا كُنتَ لَهُ أهلاً ومَحَلّا، وكانَ في جَنبِ مَعروفِكَ مُستَصغَراً مُستَقَلّا.
سَيِّدي! أستَزيدُكَ مِن فَوائِدِ النِّعَمِ، غَيرَ مُستَبطِئٍ مِنكَ فيهِ سَنِيَّ الكَرَمِ، وأَستَعيذُ بِكَ مِن بَوادِرِ النِّقَمِ، غَيرَ مُخيلٍ۱ في عَدلِكَ خَواطِرَ التُّهَمِ.
سَيِّدي! عَظُمَ قَدرُ مَن أسعَدتَهُ بِاصطِفائِكَ، وعَدِمَ النَّصرَ مَن أبعَدتَهُ مِن فِنائِكَ.
سَيِّدي! ما أعظَمَ رَوحَ قُلوبِ المُتَوَكِّلينَ عَلَيكَ، وأَنجَحَ سَعيَ الآمِلينَ لِما لَدَيكَ.
سَيِّدي! أنتَ أنقَذتَ أولِياءَكَ مِن حَيرَةِ الشُّكوكِ، وأَوصَلتَ إلیٰ نُفوسِهِم حَبَرَةَ۲ المُلوكِ، وزَيَّنتَهُم بِحِليَةِ الوَقارِ وَالهَيبَةِ، وأَسبَلتَ عَلَيهِم سُتورَ العِصمَةِ وَالتَّوبَةِ، وسَيَّرتَ هِمَمَهُم في مَلَكوتِ السَّماءِ، وحَبَوتَهُم بِخَصائِصِ الفَوائِدِ وَالحِباءِ، وعَقَدتَ عَزائِمَهُم بِحَبلِ مَحَبَّتِكَ، وآثَرتَ خَواطِرَهُم بِتَحصيلِ مَعرِفَتِكَ، فَهُم في خِدمَتِكَ مُتَصَرِّفونَ، وعِندَ نَهيِكَ وأَمرِكَ واقِفونَ، وبِمُناجاتِكَ آنِسونَ، ولَكَ بِصِدقِ الإِرادَةِ مُجالِسونَ، وذٰلِكَ بِرَأفَةِ تَحَنُّنِكَ عَلَيهِم، وما أسدَيتَ مِن جَميلِ مَنِّكَ إلَيهِم.

1.. هكذا في المصدر: وفي نسخ اُخرى: «محيل» و«مجيل».

2.. الحَبَرة: النِعمة وسِعَةُ العيش (النهاية: ج۱ ص۳۲۷ «حبر»).

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10819
صفحه از 204
پرینت  ارسال به