وحَجَبتَني عَن عَينِ كُلِّ ناظِرٍ، وعُدتَ بِكَريمِ أياديكَ حينَ عُدتُ بِارتِكابِ مَعاصيكَ، فَأَنتَ العَوّادُ بِالإِحسانِ، وأَ نَا العَوّادُ بِالعِصيانِ.
سَيِّدي! أتَيتُكَ مُعتَرِفاً لَكَ بِسوءِ فِعلي، خاضِعاً لَكَ بِاستِكانَةِ ذُلّي، راجِياً مِنكَ جَميلَ ما عَرَّفتَنيهِ مِنَ الفَضلِ الَّذي عَوَّدتَنيهِ، فَلا تَصرِف رَجائي مِن فَضلِكَ خائِباً، ولا تَجعَل ظَنّي بِتَطَوُّلِكَ كاذِباً.
سَيِّدي! إنَّ آمالي فيكَ يَتَجاوَزُ آمالَ الآمِلينَ، وسُوالي إيّاكَ لا يُشبِهُ سُوالَ السّائِلينَ؛ لِأَنَّ السّائِلَ إذا مُنِعَ امتَنَعَ عَنِ السُّوالِ، وأَنَا فَلا غَناءَ بي عَنكَ في كُلِّ حالٍ.
سَيِّدي! غَرَّني بِكَ حِلمُكَ عَنّي إذ حَلُمتَ، وعَفوُكَ عَن ذَنبي إذ رَحِمتَ، وقَد عَلِمتُ أنَّكَ قادِرٌ أن تَقولَ لِلأَرضِ: خُذيهِ؛ فَتَأخُذَني، ولِلسَّماءِ: أمطِريهِ حِجارَةً؛ فَتُمطِرَني، ولَو أمَرتَ بَعضي أن يَأخُذَ بَعضاً لَما أمهَلَني، فَامنُن عَلَيَّ بِعَفوِكَ عَن ذَنبي، وتُب عَلَيَّ تَوبَةً نَصوحاً تُطَهِّرُ بِها قَلبي.
سَيِّدي! أنتَ نوري في كُلِّ ظُلمَةٍ، وذُخري لِكُلِّ مُلِمَّةٍ، وعِمادي عِندَ كُلِّ شِدَّةٍ، وأَنيسي في كُلِّ خَلوَةٍ ووَحدَةٍ، فَأَعِذني من سوءِ مَواقِفِ الخائِنينَ، وَاستَنقِذني مِن ذُلِّ مَقامِ الكاذِبينَ.
سَيِّدي! أنتَ دَليلُ مَنِ انقَطَعَ دَليلُهُ، وأَمَلُ مَنِ امتَنَعَ تَأميلُهُ، فَإِن كانَ ذُنوبي حالَت بَينَ دُعائي وإجابَتِكَ، فَلَم يَحُل كَرَمُكَ بَيني وبَينَ مَغفِرَتِكَ، وإنَّكَ لا تُضِلُّ مَن هَدَيتَ، ولا تُذِلُّ مَن والَيتَ، ولا يَفتَقِرُ مَن أغنَيتَ، ولا يُسعَدُ مَن أشقَيتَ.
وعِزَّتِكَ! لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت في قَلبي حَلاوَتُها، وأَنِسَت نَفسي بِبِشارَتِها، ومُحالٌ في عَدلِ أقضِيَتِكَ أن تَسُدَّ أسبابَ رَحمَتِكَ عَن مُعتَقِدي مَحَبَّتِكَ.