177
الاعتکاف فی الکتاب و السنّه

وحَجَبتَني عَن عَينِ كُلِّ ناظِرٍ، وعُدتَ بِكَريمِ أياديكَ حينَ عُدتُ بِارتِكابِ مَعاصيكَ، فَأَنتَ العَوّادُ بِالإِحسانِ، وأَ نَا العَوّادُ بِالعِصيانِ.
سَيِّدي! أتَيتُكَ مُعتَرِفاً لَكَ بِسوءِ فِعلي، خاضِعاً لَكَ بِاستِكانَةِ ذُلّي، راجِياً مِنكَ جَميلَ ما عَرَّفتَنيهِ مِنَ الفَضلِ الَّذي عَوَّدتَنيهِ، فَلا تَصرِف رَجائي مِن فَضلِكَ خائِباً، ولا تَجعَل ظَنّي بِتَطَوُّلِكَ كاذِباً.
سَيِّدي! إنَّ آمالي فيكَ يَتَجاوَزُ آمالَ الآمِلينَ، وسُوالي إيّاكَ لا يُشبِهُ سُوالَ السّائِلينَ؛ لِأَنَّ السّائِلَ إذا مُنِعَ امتَنَعَ عَنِ السُّوالِ، وأَنَا فَلا غَناءَ بي عَنكَ في كُلِّ حالٍ.
سَيِّدي! غَرَّني بِكَ حِلمُكَ عَنّي إذ حَلُمتَ، وعَفوُكَ عَن ذَنبي إذ رَحِمتَ، وقَد عَلِمتُ أنَّكَ قادِرٌ أن تَقولَ لِلأَرضِ: خُذيهِ؛ فَتَأخُذَني، ولِلسَّماءِ: أمطِريهِ حِجارَةً؛ فَتُمطِرَني، ولَو أمَرتَ بَعضي أن يَأخُذَ بَعضاً لَما أمهَلَني، فَامنُن عَلَيَّ بِعَفوِكَ عَن ذَنبي، وتُب عَلَيَّ تَوبَةً نَصوحاً تُطَهِّرُ بِها قَلبي.
سَيِّدي! أنتَ نوري في كُلِّ ظُلمَةٍ، وذُخري لِكُلِّ مُلِمَّةٍ، وعِمادي عِندَ كُلِّ شِدَّةٍ، وأَنيسي في كُلِّ خَلوَةٍ ووَحدَةٍ، فَأَعِذني من سوءِ مَواقِفِ الخائِنينَ، وَاستَنقِذني مِن ذُلِّ مَقامِ الكاذِبينَ.
سَيِّدي! أنتَ دَليلُ مَنِ انقَطَعَ دَليلُهُ، وأَمَلُ مَنِ امتَنَعَ تَأميلُهُ، فَإِن كانَ ذُنوبي حالَت بَينَ دُعائي وإجابَتِكَ، فَلَم يَحُل كَرَمُكَ بَيني وبَينَ مَغفِرَتِكَ، وإنَّكَ لا تُضِلُّ مَن هَدَيتَ، ولا تُذِلُّ مَن والَيتَ، ولا يَفتَقِرُ مَن أغنَيتَ، ولا يُسعَدُ مَن أشقَيتَ.
وعِزَّتِكَ! لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت في قَلبي حَلاوَتُها، وأَنِسَت نَفسي بِبِشارَتِها، ومُحالٌ في عَدلِ أقضِيَتِكَ أن تَسُدَّ أسبابَ رَحمَتِكَ عَن مُعتَقِدي مَحَبَّتِكَ.


الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
176

يا خَيرَ مَن دَعاهُ الدّاعونَ، وأَفضَلَ مَن رَجاهُ الرّاجونَ، بِذِمَّةِ الإِسلامِ أتَوَسَّلُ إلَيكَ، وبِحُرمَةِ القُرآنِ أعتَمِدُ عَلَيكَ، وبِمُحَمَّدٍ وأَهلِ بَيتِهِ أستَشفِعُ وأَتَقَرَّبُ [إلَيكَ]، وأُقَدِّمُهُم أمامَ حاجَتي إلَيكَ فِي الرَّغَبِ وَالرَّهَبِ.
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلیٰ مُحَمَّدٍ وأَهلِ بَيتِهِ الطّاهِرينَ، وَاجعَلني بِحُبِّهِم يَومَ العَرضِ عَلَيكَ نَبيهاً، ومِنَ الأَنجاسِ وَالأَرجاسِ نَزيهاً، وبِالتَّوَسُّلِ بِهِم إلَيكَ مُقَرَّباً وَجيهاً، يا كَريمَ الصَّفحِ وَالتَّجاوُزِ، ومَعدِنَ العَوارِفِ وَالجَوائِزِ، كُن عَن ذُنوبي صافِحاً مُتَجاوِزاً، وهَب لي مِن مُراقَبَتِكَ ما يَكونُ بَيني وبَينَ مَعاصيكَ حاجِزاً.
سَيِّدي! إنَّ مَن تَقَرَّبَ مِنكَ لَمَكينٌ مِن مُوالاتِكَ، وإنَّ مَن تَحَبَّبَ إلَيكَ لَقَمينٌ بِمَرضاتِكَ، وإنَّ مَن تَعَرَّفَ بِكَ لَغَيرُ مَجهولٍ، وإنَّ مَنِ استَجارَ بِكَ لَغَيرُ مَخذولٍ.
سَيِّدي! أتُراكَ تُحرِقُ بِالنّارِ وَجهاً طالَما خَرَّ ساجِداً بَينَ يَدَيكَ، أم تُراكَ تَغُلُّ إلَى الأَعناقِ أكُفّاً طالَما تَضَرَّعَت في دُعائِها إلَيكَ، أم تُراكَ تُقَيِّدُ بِأَنكالِ۱ الجَحيمِ أقداماً طالَما خَرَجَت مِن مَنازِلِها طَمَعاً فيما لَدَيكَ، مَنّاً مِنكَ عَلَيها لا مَنّاً مِنها عَلَيكَ؟!
سَيِّدي! كَم مِن نِعمَةٍ لَكَ عَلَيَّ قَلَّ لَكَ عِندَها شُكري، وكَم مِن بَلِيَّةٍ ابتَلَيتَني بِها عَجَزَ عَنها صَبري، فَيا مَن قَلَّ شُكري عِندَ نِعَمِهِ فَلَم يَحرِمني، وعَجَزَ صَبري عِندَ بَلِيَّتي فَلَم يَخذُلني، جَميلُ فَضلِكَ عَلَيَّ أبطَرَني، وجَليلُ حِلمِكَ عَنّي غَرَّني.
سَيِّدي! قَويتُ بِعافِيَتِكَ عَلیٰ مَعصِيَتِكَ، وأَنفَقتُ نِعمَتَكَ في سَبيلِ مُخالَفَتِكَ، وأَفنَيتُ عُمُري في غَيرِ طاعَتِكَ، فَلَم يَمنَعكَ جُرأَتي عَلیٰ ما عَنهُ نَهَيتَني، ولاَ انتِهاكي ما مِنهُ حَذَّرتَني، أن سَتَرتَني بِحِلمِكَ السّاتِرِ،

1.. أنكال: قُيود ثِقال، ويقال: أغلال (مجمع البحرين: ج۳ ص۱۸۳۴ «نكل»).

  • نام منبع :
    الاعتکاف فی الکتاب و السنّه
    سایر پدیدآورندگان :
    محمد محمدی ری شهری
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1396
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10838
صفحه از 204
پرینت  ارسال به